للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثلاثة أوصاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالوتر قبل النوم، ولعل ذلك لعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم بحالهم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن أبا هريرة كان يراجع حفظه من الأحاديث في أول الليل، ولا يطمع في الاستيقاظ آخره، فأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بتقديم الوتر (١).

وقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر رضي الله عنه: «متى توتر؟»، قال: (أوتر من أول الليل)، وقال لعمر رضي الله عنه: «متى توتر؟»، قال: (آخر الليل)، فقال لأبي بكر: «أَخَذَ هذا بالحذر [أي بالحزم]»، وقال لعمر: «أَخَذَ هذا بالقوة» (٢).

أما من وثق بالقيام فآخر الليل أفضل، لأن صلاة الليل تشهدها الملائكة، فتكون أقرب إلى القبول وحصول الرحمة، ولأن هذا وقتُ تَنَزُّلِ الله تعالى، ووقت إجابة الدعاء، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له حتى ينفجر الفجر» (٣).

ولأن الوتر آخر الليل هو التهجد الذي ذكر الله تعالى في كتابه الكريم، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩].

قال الراغب: (المتهجد: المصلي ليلاً)، وقال ابن كثير: (التهجد: ما كان بعد نوم، قاله علقمة، والأسود، وابراهيم النخعي، وغير واحد، وهو المعروف في لغة العرب، وكذلك ثبتت


(١) "فتح الباري"، وانظر: "الفتاوى" (٢٢/ ٢٨٥).
(٢) أخرجه أبو داود (١٤٣٤) وصححه الألباني، وأخرجه ابن ماجه (١/ ٣٨٠) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (١/ ٣٩٨): (إسناده صحيح، رجاله ثقات)، ومن حديث جابر -رضي الله عنه- عند ابن ماجه -أيضًا- (١/ ٣٧٩) وأحمد (٢٢/ ٤٠٥) وإسناده حسن، كما قال البوصيري -أيضًا- في "مصباح الزجاجة" (١/ ٣٩٧).
(٣) أخرجه البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>