للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المسجد؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجد رخصة لرجل أعمى بعيد الدار ليس له قائد يأتي به إلى المسجد، وقال له: «أجب»، فكيف حال من كان بصيراً قريب الدار يستطيع الحضور؟!

قال الخطابي: (وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب، ولو كان ذلك ندباً لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم رضي الله عنه) (١).

والجمهور على أن العمى ليس عذراً في التخلف عن الجماعة إذا وجد قائداً ولو بأجرة لا تجحف به، وقال أبو حنيفة: إنه عذر ولو وجد من يقوده أو يحمله، لأنه لا عبرة بقدرة الغير (٢).

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن من سمع النداء بالأذان للصلاة فعليه الإجابة، ولو كان منزله بعيداً، لقوله في رواية أبي داود: (شاسع الدار) ومع هذا قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أجب».

وأما من كان قريباً من المسجد فإنه تجب عليه الإجابة مطلقاً سمع النداء أم لا؛ لأنه في مكان يسمع فيه النداء، لكن الحديث ورد فيمن كان بعيداً عن المسجد، فلذا قُيِّدَ بسماع النداء.

والمرجع في سماع النداء إلى ما كان معروفاً في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وعند الناس إلى زمن قريب، قبل مكبرات الصوت، وأما مكبرات الصوت فلا يترتب عليها حكم الإجابة؛ لأنها لا تنضبط، فقد يكون صوتها عالياً يسمع من أماكن بعيدة، وقد يكون دون ذلك، ولو رُبط الحكم بمكبر الصوت لصار في ذلك مشقة؛ لأنه قد يُسمع من مكان بعيد يشق الوصول إليه، والله تعالى أعلم.


(١) "معالم السنن" (١/ ١٦٠)، وانظر: "فتح الباري" لابن رجب (٣/ ١٨٥) (٥/ ٤٥٠)، "شرح علل الترمذي" لابن رجب (١/ ١٣).
(٢) "جواهر الأكليل" (١/ ٩٩)، "تحفة المحتاج" (٢/ ٢٧٧)، "شرح فتح القدير" (١/ ٣٤٥)، شرح المنتهى" للبهوتي (١/ ٥٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>