للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غرض المصنف من إيراد حديث أبي هريرة رضي الله عنه بعد حديث أسماء رضي الله عنها؛ لأن الدم مستقذر، وربما نسبها من راه على ثوبها إلى التقصير في إزالته.

الوجه الرابع: ظاهر الحديث أنه يكفي الماء في إزالة دم الحيض، ولا يجب استعمال شيء اخر من الحوادِّ كحجر أو عود ونحوهما، لقوله: «الماء يكفيك».

لكن ورد في حديث أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن دم الحيض يصيب الثوب، فقال: «حكيه … واغسليه بماء وسدر» (١).

فأمرها بغسل دم الحيض بالماء والسدر، والسدر من الحواد، فيقيد به ما أُطلق في غيره، ويخص استعمال الحاد بدم الحيض، ويحمل قوله: «ولا يضرك أثره» أي: بعد استعمال الحاد.

الوجه الخامس: اعلم أنه قد تبين من مسألة العفو في باب «النجاسات» أن الشريعة قصدت بذلك التخفيف عن المكلفين ورفع الحرج، إما لعموم البلوى، كما في الدم والقيح الحاصل بسبب البثرات والدمامل، أو أثر الاستجمار بعد استيفاء شروطه، وإما لدفع مشقة الاحتراز كما هو الحال في أصحاب الحدث الدائم، كمن به سلس بول، والمستحاضة ونَحوهما، وكذا بلل الباسور والناسور (٢)، وإما لعسر إزالتها، كلون النجاسة وريحها بعد التطهير إذا عسر زوالهما، وإما لكونها يسيرة كالنجاسة التي ينقلها ذباب إلى ثوب آدمي أو بدنه، وكالبول بمقدار رأس الإبرة يقع على الثوب، وقد تتداخل بعض هذه الحِكَمِ فتختصر (٣).

وينبغي أن يُعلم أن هذه الحكم ضوابط لما يعفى عنه من النجاسات، فتبقى مهمة طالب العلم في تحقيق المناط، وهو هل هذه النجاسة داخلة في عفو الشارع عنها لدخولها تحت أحد هذه الضوابط أو لا؟ والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه أبو داود (٣٦٣)، والنسائي (١/ ١٥٤)، وابن ماجه (٦٢٨)، قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (١/ ٢٨١): (إسناده في غاية الصحة، ولا أعلم له علة).
(٢) هما داءان في المقعدة.
(٣) انظر: "أحكام النجاسات" (٢/ ٥٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>