للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) (١)، فيكون ذكر الإتمام في هذا الحديث شاذّاً، وما يقابله هو المحفوظ، والمحفوظ أن الإتمام كان من فعل عائشة رضي الله عنها، لما أخرجه البيهقي في «سننه» (٣/ ١٤٣) من طريق شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت: لو صليتِ ركعتين؟ فقالت: (يا ابن أختي، إنه لا يشق عليَّ).

وهذا إسناد صحيح (٢)، وهو يدل على أن عائشة رضي الله عنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل، فيكون إتمامها باجتهاد منها، ولو كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أتم لكان إتمامها اتباعاً لسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم تكن بحاجة إلى تأويل إتمامها. وقد خالفها أكثر الصحابة، فرأوا القصر مشروعاً مع المشقة وعدمها، على أن شيخ الإسلام ابن تيمية رد ذلك وقال: (هذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم … ) (٣)، وقد تقدم ما يدل على أنها أتمَّت بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلّم.

الوجه الثاني: الحديث دليل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقصر الصلاة الرباعية وكان يتمها أربعاً، وأنه كان يصوم رمضان في السفر، وكان يفطر.

وتقدم أن ذكر الإتمام شاذ مخالف لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما أتم الرباعية في السفر قط، ويؤيد ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إني صحبت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]) (٤)، وفي رواية: (وعثمان ركعتين صدراً من خلافته، ثم أتمها أربعاً)، وقد تقدم الإشارة إلى وجه إتمام عثمان رضي الله عنه، والله أعلم.


(١) انظر: قاعدة الأحكام التي "تختلف بالسفر والإقامة" ص (٢٤٤)، "زاد المعاد" (١/ ٤٦٤ - ٤٦٥).
(٢) انظر: "المحرر" (٤٠١)، "فتح الباري" (٢/ ٥٧١).
(٣) "زاد المعاد" (١/ ٤٦٥).
(٤) أخرجه البخاري (١١٠٢)، ومسلم (٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>