للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أجمع العلماء على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم بعرفة، والجمع بين المغرب والعشاء ليلة مزدلفة، وممن حكى الإجماع ابن المنذر، وابن قدامة، والنووي، وابن رشد، وغيرهم (١)، ثم اختلفوا فيما عدا ذلك، فمنهم من منع الجمع إلا فيما ذُكِرَ، وهم الحنفية وبعض التابعين (٢)، واحتجوا بأن المواقيت ثبتت بالتواتر، فلا يجوز تركها بخبر واحد، وحملوا أحاديث الجمع على الجمع الصوري، وهو أن يصلي الأولى في آخر وقتها، والأخرى في أول وقتها.

وهذا مذهب ضعيف لا يعوّل عليه، فإن الجمع ليس تركاً لأدلة المواقيت، لكنه تخصيص لها في بعض الحالات بسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأما قولهم بالجمع الصوري فهو ضعيف أيضاً؛ لأن الجمع رخصة، وإيقاع كل صلاة في وقتها أهون مما ذكروه وضيقوا به.

ومن أهل العلم من قال بالجمع ثم اختلفوا على أقوال:

الأول: جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بعذر السفر جمع تقديم أو جمع تأخير، وهذا قول الشافعي، وأحمد في المشهور، ومالك في رواية (٣)، واستدلوا بحديث أنس على جمع التأخير، وحديث معاذ (٤) على جمع التقديم.

والقول الثاني: أن الجمع مختص بحالة الجد في السفر، وهو المشهور عن مالك في رواية ابن القاسم عنه (٥)، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان


= قتيبة، كما أُعلَّ بعنعة يزيد بن أبي حبيب، وقد رد ذلك ابن القيم في "زاد المعاد" (١/ ٤٧٨ - ٤٨١) وتبعه الألباني، لكن حكم الأئمة الكبار مقدم على كلام من جاء بعدهم، لأنهم أهل الرواية، ولهم المعرفة التامة بعلل الحديث ورجاله، وقد سبق مثل هذا، وليس الاعتماد على هذا الحديث في جمع التأخير.
(١) "المغني" (٥/ ٢٦٤)، "بداية المجتهد" (١/ ٤١٠).
(٢) انظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (٢/ ٤٥٨)، "شرح معاني الآثار" (١/ ١٦٢).
(٣) "بداية المجتهد" (١/ ٤١٢)، "المجموع" (٤/ ٣٧٠)، "المغني" (٣/ ١٢٧).
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) "شرح الزرقاني على الموطأ" (١/ ٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>