للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجمع على ثلاث درجات:

الأولى: إذا كان سائراً في وقت الأولى ونزل وقت الثانية، فهذا هو الجمع الذي ثبت في «الصحيحين» - يعني جمع التأخير - من حديث أنس وابن عمر رضي الله عنهم، وهو نظير جمع مزدلفة.

الثانية: إذا كان وقت الثانية سائراً أو راكباً فجمع في وقت الأولى، فهذا نظير الجمع بعرفة، وعليه يدل حديث معاذ رضي الله عنه.

الثالثة: إذا كان نازلاً في وقتهما جميعاً نزولاً مستمراً، فهذا - كما يقول عنه ابن تيمية ـ: (ما علمت عليه دليلاً إلا حديث معاذ هذا، فإن ظاهره أنه كان نازلاً، وهذا في تبوك، وهي آخر غزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يسافر بعدها إلا حجة الوداع، ولم ينقل أنه جمع إلا في عرفة ومزدلفة، وأما منى فكان يقصر الصلاة ولا يجمع، فهذا يدل على أنه كان يجمع أحياناً في السفر، وأحياناً لا يجمع، وهو الأغلب على أسفاره) (١).

وعلى هذا فالجمع مشروع عند الحاجة إليه، سواء أكان المسافر سائراً أم نازلاً، والغالب أن المحتاج للجمع هو السائر، أما النازل فالأفضل ألا يجمع، إلا إن احتاج لذلك؛ كأن يحتاج لنوم أو استراحة أو أكل فله الجمع؛ لأن المسافر وإن كان نازلاً قد يعرض له أحوال يحتاج معها إلى الجمع بين الصلاتين.

وينبغي أن يعلم أن الجمع ليس خاصّاً بالسفر، بل يجوز في الحضر عند الحاجة إليه؛ كمريض احتاج للجمع، أو برد شديد نزل بالناس، ونحو ذلك مما يتحقق به رفع الحرج عن الأمة، وقد دل على ذلك حديث ابن عباس: (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر)، قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: (أراد ألا يحرج أمته)، وفي رواية: (من غير خوف ولا سفر) (٢)، قال الشيخ عبد العزيز بن


(١) انظر: "الفتاوى" (٢٤/ ٦٣ - ٦٤).
(٢) أخرجه مسلم (٧٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>