للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى أثره ومقصوده، فإن قصد به رد الحق وإثبات الباطل فهو مذموم، وإن قصد به إثبات الحق وإبطال الباطل فهو ممدوح.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية تقصير خطبة الجمعة وعدم إطالتها، وذلك لئلا يمل الناس ويسأموا، ويضعفوا عن مواصلة الاستماع والاستفادة؛ لأنهم إذا ملوا وضعفوا لم يستفيدوا من الخطبة، بل تضيع عليهم، أما إذا كانت قصيرة فإنهم يحفظونها ويستفيدون منها.

وهذه صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال جابر بن سمرة رضي الله عنه: (كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا) (١)، قال الحافظ ابن حجر: (القصد: الوسد، أي: لا قصيرة، ولا طويلة) (٢).

وعنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هي كلمات يسيرات) (٣).

وتقصير الخطبة مع الإتيان بالمقصود وهو الوعظ والإرشاد دليل على فقه الخطيب وفهمه، حيث استطاع أن يأتي بمعاني الخطبة في ألفاظ قليلة، قال الشافعي: (وأحب أن يكون كلامه أي الخطيب قصدًا بليغًا جامعًا) (٤).

أما إطالة الخطبة فهي دليل على عدم فقه الخطيب، وليست دليلًا على علمه ولا بلاغته؛ لأن البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال ومراعاة حال المخاطب.

• الوجه الرابع: الحديث دليل على مشروعية إطالة صلاة الجمعة، وذلك بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما يقرأ فيها مع الطمأنينة، والمراد أنها طويلة بالنسبة إلى الخطبة، لا أنه طول يشق على المأمومين، لئلا يكون ذلك مخالفًا للأحاديث الصحيحة في الأمر بتخفيف الصلاة.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة بـ (سبح) و (الغاشية)، أو بـ (الجمعة) و (المنافقين)، كما سيأتي إن شاء الله.


(١) أخرجه مسلم (٨٦٦).
(٢) "التلخيص" (٢/ ٦٨).
(٣) أخرجه أبو داود (١١٠٧)، والحاكم (١/ ٢٨٩)، والبيهقي (٣/ ٢٠٧)، وقال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم) وسكت عنه الذهبي.
(٤) "الأم" (١/ ٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>