للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أبو حنيفة، ومالك، وجماعة من الفقهاء، إن الداخل في هذه الحال يجلس ولا يركع أثناء خطبة الإمام (١)، واستدلوا بحديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس فقد آذيت"، وفي رواية: "وآنيت" (٢).

ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالجلوس ولم يأمره بتحية المسجد، فدل على أنها غير واجبة.

واعتذروا عن حديث الباب بأعذار غير ناهضة، لا داعي لشغل الأوقات والأوراق بها، والراجح هو القول الأول، لقوة دلالته؛ فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم سليكًا بتحية المسجد بعدما جلس وقطع الخطبة لأجل سؤاله وأمره بالصلاة دليل واضح على أن الداخل يصلي ولا يجلس، ولو سقطت تحية المسجد في حال لكان هذا الحال أولى بها، فإنه مأمور باستماع الخطبة، فلما ترك لها استماع الخطبة دل على تأكيدها، ولذا قال النووي: (هذا نص صريح لا يتطرق إليه تأويل، ولا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحًا فيخالفه) (٣).

وأما حديث عبد الله بن بسر فلا دلالة فيه على أن التحية لا تشرع حال الخطبة؛ لاحتمال أن المراد اجلس؛ أي: لا تتخط، ولم يقصد ترك التحية، أو أن المراد اجلس بشرط الجلوس المفهوم في قوله: " فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"، ولاحتمال أنه صلاها في مكان آخر من المسجد قبل وقوع التخطي منه، ولهذا سأله الرسول صلى الله عليه وسلم هل صلى أو لا؟ أو أن ذلك قبل الأمر بها، وعلى أي حال فحديث جابر أصح وأقوى دلالة؛ لأن حديث عبد الله بن بسر يدل على عدم وجوبها، وحديث جابر يدل على مشروعيتها، فتكون دلالته


(١) "شرح فتح القدير" (١/ ٤٢١)، "المدونة" (١/ ٢٢٩)، "المجموع" (٤/ ٥٥٢).
(٢) رواه أبو داود (٣/ ٤٦٧)، والنسائي (٣/ ١٠٣)، وأحمد (٤/ ١٨٨)، والزيادة له، والحديث سنده حسن، وله شواهد ومتابعات.
(٣) "شرح صحيح مسلم" (٦/ ٤١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>