للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النساء ووعظهن، إما لعدم وصول الخطبة إليهن، أو لأنه أراد أن يخصهن بأمور تناسبهن، أو لكلا الأمرين.

والمشهور عند الفقهاء أن للعيد خطبتين، ويستدلون على ذلك بحديث جابر رضي الله عنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فخطب قائمًا ثم قعد قعدة ثم قام) (١)، وبما أخرجه الشافعي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أحد الفقهاء السبعة زمن التابعين أنه قال: (السنة أن يخطب الإمام في العيدين خطبتين، يفصل بينهما بجلوس) (٢).

كما استدلوا بالقياس على الجمعة، قالوا: والقياس يقوي مرسل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ذكر ذلك الشوكاني (٣).

وظاهر الأحاديث الصحيحة أن خطبة العيد واحدة، لكن مضى سلف هذه الأمة على أنهما خطبتان، وقد نقل ابن حزم أن هذا مما لا خلاف فيه (٤).

وأما ما استدل به الفقهاء فهو غير ناهض على مشروعية الخطبة الثانية؛ لأن حديث جابر منكر سندًا ومتنًا، فإن المحفوظ أن ذلك في خطبة الجمعة، وفي سنده إسماعيل بن مسلم، وقد أجمعوا على ضعفه، كما قال البوصيري (٥)، وفيه أبو الزبير، وهو مدلس، وقد عنعن.

وأما المرسل فقد قال عنه النووي: إنه ضعيف (٦)، ومع ضعفه فلا دلالة فيه على الصحيح؛ لأن عبيد الله تابعي كما تقدم والتابعي إذا قال: من السنة كذا، فهو من قبيل الموقوف، لا من قبيل المرفوع، فيكون قول صحابي لم يثبت انتشاره، فلا يحتاج به على الصحيح، وحتى على القول بأنه مرفوع مرسل لا يحتج به.

وأما القياس، ففيه نظر، وعلى هذا فالمعول في أن للعيد خطبتين على ما نقله ابن حزم، وما فهمه فقهاء سلف هذه الأمة من النصوص الصحيحة، والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه ابن ماجه (١٢٨٩).
(٢) "مسند الشافعي" (١/ ١٧٦ ترتيبه).
(٣) "نيل الأوطار" (٢/ ٦٠٦).
(٤) "المحلى" (٥/ ٨٢).
(٥) انظر: "فتح الباري" لابن رجب (٤٥٣)، "الزوائد" (١/ ٤٢٢).
(٦) "المجموع" (٥/ ٢٢)، "تنوير العينين" ص (٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>