للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فائدة الاستنشاق؛ لأن الاستنشاق جذب الماء بنفسه إلى باطن الأنف، والاستنثار إخراجه، وقد ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم ليستنثر». وقد مضى ذكر ذلك.

قوله: (ثلاثاً) مفعول مطلق نائب عن المصدر أي: استنثاراً ثلاثاً.

قوله: (فإن الشيطان يبيت على خيشومه) الجملة تعليل للأمر بالاستنثار ثلاثاً، والمراد بالشيطان: جنس الشيطان، والخيشوم: هو أعلى الأنف من داخله، وقيل: هو الأنف.

الوجه الثالث: الحديث دليل على وجوب الاستنثار ثلاث مرات عند الاستيقاظ من نوم الليل؛ لأنه ورد بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوجوب، ورواية البخاري - كما تقدم - قيدت هذا الاستنثار عند الوضوء، ورواية مسلم مطلقة غير مقيدة بالوضوء، فإما أن يحمل المطلق على المقيد ويكون الأمر عند الوضوء، أو يعمل بالحديثين، فيشرع الاستنثار عند الاستيقاظ من النوم وإن لم يصادف وضوءاً، إما لمرض أو لكونه عادماً الماء، ولكن عنده ما يستنثر به، فإن لم يتيسر ذلك كفى استنثاره في الوضوء، فإنه حاصل به فعل المشروع.

والاستنثار فرع عن الاستنشاق، والقول بوجوب الاستنشاق رواية عن الإمام أحمد (١)، وبه قال ابن حزم (٢)، وقال الجمهور: إنه سنة (٣).

والأول أظهر، فإن الأصل في الأوامر الوجوب، وليس الاستحباب، حتى يرد دليل صارف، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.

الوجه الرابع: جاء في الحديث تعليل الأمر بالاستنثار بأن الشيطان يبيت على خيشوم الإنسان، ولم يبين لماذا يبيت؟ ثم إن الخيشوم شيء ضيق لا يتسع للأجرام الكبيرة، فعلم بذلك أن للشياطين تصرفاتٍ وأحوالاً وألواناً


(١) "المغني" (١/ ١٦٦).
(٢) "المحلى" (١/ ٢٩٦).
(٣) "حاشية الدسوقي" (١/ ١٣٦)، "مغني المحتاج" (١/ ٥٧)، "الإنصاف" (١/ ١٥٣)، "شرح فتح القدير" (١/ ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>