للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وظاهر هذا أنه معارض لحديث ابن عمر رضي الله عنه، فإن حديث ابن عمر يدل على أن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، ليكفن فيه أباه فأعطاه إياه، وحديث جابر يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبسه قميصه بعدما دفن حيث نبشه ونفث فيه من ريقه، ثم ألبسه قميصه.

والجواب كما قال الحافظ (١) أن معنى قوله في حديث ابن عمر: (فأعطاه)، أي: أنعم له بذلك، فأطلق على العدة اسم العطية مجازًا لتحقق وقوعها، وكذا قوله في حديث جابر: (بعدما دفن) أي: دلي في حفرته، فأمر بإخراجه إنجازًا لوعده في تكفينه في قميصه، وقيل: أعطاه صلى الله عليه وسلم أحد قميصيه أولًا: ثم لما حفر أعطاه الثاني لسؤال ولده.

وسبب ذلك ما أخرجه البخاري من حديث جابر رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر أتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصًا، فوجدوا قميص بعد الله بن أبي يقدر (٢) عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذا نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه. قال ابن عيينة أحد رواة الحديث: (كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم يد، فأحب أن يكافئه) (٣)، فيكون الغرض من تكفينه في قميص أمرين:

الأمر الأول: مكافأة ابن سلول لما أحسن إلى عمه العباس بكسائه له.

الأمر الثاني: تطييب خاطر ابنه عبد الله الصحابي الجليل رضي الله عنه لما طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

* * *


(١) "فتح الباري" (٣/ ١٣٩).
(٢) بضم الدال بمعنى المماثلة، وإنما كان ذلك لأن العباس كان بَيِّنَ الطول، وكذلك كان عبد الله بن أُبي.
(٣) "صحيح البخاري" (٣٠٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>