للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأصحابه (١)، وحكاه الترمذي عن سفيان الثوري وإسحاق (٢)، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي (٣)، واستدلوا بما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: " من تبع جنازة مسلم"، ولا يقال: تبعه إلا إذا صار خلفه.

والقول الثالث: أن الماشي مخير بين أن يمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن يسارها، وهذا قول أنس رضي الله عنه، فقد ذكر البخاري عنه تعليقًا أنه قال: ( … أنتم مشيعون، وامش بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن يسارها) (٤)، وقد وصله ابن المنذر وغيره، وروي هذا القول عن إسحاق وجماعة.

ودليل ذلك حديث المغيرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبًا منها … " (٥)، وهذا هو الأظهر إن شاء الله تعالى لأمور ثلاثة:

الأول: أنه ورد الدليل بهذا وهذا، فقد ورد في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها (٦).

الثاني: أن فيه توسعة على الناس؛ لأن الناس يتفاوتون في المشي، وإلزامهم بجهة معينة قد يكون فيه مشقة على بعضهم.

الثالث: أن ذلك يوافق سنية الإسراع بالجنازة وأنهم لا يلزمون مكانًا واحدًا يمشون فيه، وهذا هو ظاهر اختيار البخاري، فإنه لما بوب للسرعة بالجنازة ذكر أثر أنس رضي الله عنه المتقدم.

وأما الراكب فإنه لا يسير إلا خلفها لحديث المغيرة رضي الله عنه، والله تعالى أعلم.


(١) "بدائع الصنائع" (١/ ٣٠٩).
(٢) "جامع الترمذي" (٣/ ٣٣٢ - ٣٣٣).
(٣) "الأوسط" (٥/ ٣٨٣).
(٤) "فتح الباري" (٣/ ١٨٢).
(٥) تقدم تخريجه ص (٣١٥).
(٦) أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (١/ ٤٨١) بسند صحيح على شرط الشيخين، كما قال الألباني في "أحكام الجنائز" ص (٧٤)، وهذا فيه نظر، فإن فيه وهب الله بن راشد أبا زرعة المصري، وهو متكلم فيه، وليس هو من رجال الشيخين. انظر: "اللسان" (٨/ ٤٠٥) والحديث مداره على الزهري، ولا يصح عنه إلا مرسلًا، كما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>