للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخذ بهذا ابن حزم الظاهري، وروى كراهة الدفن ليلًا عن سعيد بن المسيب، وأجاب بأن من دفن ليلًا كان لضرورة (١).

والقول الثاني: أنه يجوز الدفن ليلًا ولا كراهة فيه، وهذا قول الجمهور من أهل العلم لحديث ابن عباس رضي الله عنه في قصة الرجل الذي دفن في الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلا آذنتموني" (٢)، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم دفنهم إياه في الليل، وإنما أنكر عليهم عدم أعلامه بأمره.

ومما يؤيد ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم دفنوا أبا بكر رضي الله عنهم ليلًا، كما ورد في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: " ودفن أبو بكر قبل الصبح".

قال الحافظ: (وهذا كالإجماع عائشة رضي الله عنه وفيه: " ودفن أبو بكر قبل الصبح" (٣). قال الحافظ: (وهذا كالإجماع من الصحابة على الجواز) (٤)، يعني بذلك أنه أمر مشهور بينهم، وليس فيه نكير.

وأما حديث الباب فهو ضعيف لا تقوم به حجة، وأما حديث مسلم ففيه ذكر سبب النهي، وهو أن الدفن نهارًا يحضره كثير من الناس ويصلون عليه، ولا يحضره في الليل إلا أفراد، وأن الصحابي لما قبض كفن بكفن غير طائل، وعلى هذا فالأقرب ما حرره العلامة ابن القيم، وهو أنه إذا كان الدفن ليلًا لا يفوت به شيء من حقوق الميت، والصلاة عليه فلا بأس، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه وتمام القيام عليه، نهي عن ذلك، وعليه يدل الزجر (٥)، والله تعالى أعلم.

* * *


(١) "المحلى" (٥/ ١١٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٤٠)، ومسلم (٩٥٦)، وبوَّب عليه البخاري باب "الدفن بالليل".
(٣) "صحيح البخاري" (١٣٨٧).
(٤) "فتح الباري" (٣/ ٢٠٨).
(٥) "تهذيب مختصر السنن" (٤/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>