للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كما دل حديث أبي هريرة رضي الله عنه على أن من سأل المال تكثيرًا وجمعًا؛ فإنما يجمع جمرًا يعذب به يوم القيامة من نار جهنم؛ لأنه جمع مالًا حرامًا، ولهذا قال على سبيل التهديد: " فليستقل أو ليستكثر".

• الوجه الثالث: مفهوم قوله: " تكثرًا" يفيد أنه لو سأل من فقر وحاجة أن ذلك مباح ولا يعاقب عليه؛ لأنه يطلب حقه الذي أباحه له الشرع من زكاة وصدقة تطوع وكفارة، وغير ذلك.

• الوجه الرابع: حرم الإسلام السؤال واتخاذ التسول مهنة وحرفة لمن كان غنيًا بماله الحاضر، أو بغلة عقار يدر عليه ما يكفيه، أو بصنعة تقوم بكفايته، أو بقوة بدنه على العمل إذا تحققت أسبابه؛ لأن في السؤال مع عدم الحاجة آثارًا سيئة ومفاسد عظيمة، منها:

١ - أن السؤال ذل ومهانة وإهدار لكرامة الإنسان، والسؤال يذهب الحياء حتى لو أعطي السائل، فكيف لو منع؟!

٢ - أن السؤال تعطيل للقوى والمواهب عن أن تجد وتكدح وتبتكر ما ينفع المجتمع المسلم.

٣ - أن السؤال وسيلة للخداع والاحتيال؛ لأنه يحمل صاحبه على أن يتزيا بزي الفقراء والمساكين، ويتظاهر بالعاهات والأمراض، ليستثير بذلك عواطف الناس استدرارًا لبرهم وإحسانهم ورحمتهم (١).

٤ - أن السؤال فيه جحد لنعمة الله تعالى على عبده وإنكار لها، حيث تشبه بالفقراء والمعدمين، وهذا جحد لنعمة الله وإظهار شكوى؛ لأن لسان الحال كلسان المقال، والمطلوب من العبد إظهار نعمة الله عليه، كما تقدم في باب " اللباس".

فعلى المسلم أن يحذر هذه العادة الذميمة، وأن يتربى على علو الهمة وعزة النفس، والترفع عن الدنايا، ولا يعرض نفسه للهوان والمذلة مع قدرته على العمل والتكسب، وأن يشكر ربه على سلامة البدن وتمام الخلقة وقوة الجوارح، وأن يستغلها فيما ينفع ويفيد، والله تعالى أعلم.


(١) انظر: "من قضايا العمل والمال في الإسلام" ص (٢٥ - ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>