وقد فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة بالإجماع، وكان فرض الصيام تدريجيًّا، حيث أوجب الله تعالى الصيام على التخيير بينه وبين الإطعام عن كل يوم مسكيناً مع تفضيل الصيام، قال تعالى:{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة: ١٨٤] ثم أوجب الله تعالى الصيام في حق غير المريض والمسافر، وقضاءً في حقهما إذا زال العذر.
وللصوم فوائد عظيمة وحكم كثيرة، منها:
١ - أن الصيام من أكبر العون على تقوى الله تعالى؛ لأن له تأثيراً عجيباً في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة.
٢ - التعبُّد لله تعالى بترك شهوات النفس ومألوفاتها، وفي هذا يتجلى صدق محبة العبد لربه وتعظيمه له، والتماس رضوانه حيث قدم ما يحبه الله ويرضاه على ما تشتهيه نفسه وهواه.
٣ - الصوم تربية للإرادة، وجهاد للنفس، وتعويد على الصبر والتحمُّل فيما يعود عليها بالنفع.
٤ - في الصوم فوائد صحية عظيمة، فهو يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويكسبه صحة وقوة، وذلك بترتيب أوقات الوجبات، وإراحة جهاز الهضم مدة معينة، كما شهد بذلك الأطباء المختصون، فعالجوا مرضاهم بالصيام.
وقد ثبت في صيام رمضان فضائل عظيمة، دلت عليها النصوص الصحيحة، وفيه من جزيل الأجر وعظيم الثواب ما لو تصورته نفس صائمة لطارت فرحاً، وتمنَّت أن تكون السنة كلها رمضان.
ولهذه الحِكم وغيرها فرض الله تعالى الصوم على جميع الأمم، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ١٨٣].
لكن لا تحصل هذه الفوائد إلا لمن صام صياماً كاملاً عن كل ما حرم الله، فصام عن الطعام والشراب والنكاح، وصام عن السماع المحرم، والنظر المحرم، والكلام المحرم، والكسب المحرم، وحفظ وقته واستفاد من أيام الشهر في طاعة ربه، فهذا هو الذي يستفيد من الصيام.