للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا النهي محمول على التحريم - على القول الراجح ـ؛ لأن هذا هو الأصل فيه، إلا بدليل يصرفه عن ذلك، والاقتصار في الحديث على يوم أو يومين؛ لأنه هو الغالب فيمن يقصد ذلك، أما صيام أكثر من ذلك فسيأتي.

ويستثنى من ذلك من كان له عادة بصوم يوم معين؛ كالاثنين أو الخميس، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً، فيصادف ذلك قبل رمضان بيوم أو يومين فلا بأس، لزوال المحذور، وكذلك من يصوم واجباً؛ كنذر، أو كفارة، أو قضاء رمضان الماضي، فكل ذلك جائز؛ لأنه ليس من استقبال رمضان.

وقد بحث العلماء عن حكمة هذا النهي، فقيل: تمييز فرائض العبادات عن نوافلها، والاستعداد لرمضان برغبة ونشاط، وقيل: لأن حكم الصيام معلَّق برؤية الهلال فالمتقدم عليه مخالف للشرع، ورجح هذا الحافظ ابن حجر (١).

الوجه الرابع: ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا … »، وظاهره معارض لحديث الباب؛ لأن حديث الباب فيه النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فيفهم منه جواز ما قبل ذلك، وهذا الحديث فيه النهي عن الصيام إذا انتصف شعبان، وهو حديث مختلف في صحته - كما سيأتي إن شاء الله في آخر الصيام - وعلى القول بصحته فهو محمول على من يصوم نفلاً مطلقاً ابتداءً من النصف من شعبان، أما من له عادة بصيام الاثنين والخميس، أو صوم يوم وإفطار يوم، أو كان يصل النصف الثاني بالنصف الأول، أو عليه قضاء فلا يدخل في النهي كما تقدم.

وذكر الطحاوي جمعاً آخر، وهو أن هذا الحديث محمول على من يضعفه الصوم، بحيث يطرأ عليه ضعف يؤثر على صيامه رمضان، وحديث الباب محمول على من يحتاط بزعمه لرمضان (٢)، وقد نقله عنه الحافظ، وقال: (إنه جمع حسن) (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) "فتح الباري" (٤/ ١٢٨).
(٢) "شرح معاني الآثار" (٢/ ٨٤ - ٨٥).
(٣) "فتح الباري" (٤/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>