للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد نقل ابن المنذر، وابن حزم الإجماع على ذلك (١).

وقد أخرج البخاري بسنده عن عطاء، أنه سمع ابن عباس يقرأ: (وعلى الذين يطوقونه (٢) فدية طعام مسكين) قال ابن عباس: (ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً) (٣).

وهذا رأي ابن عباس رضي الله عنهما وهو أن الآية ليست منسوخة، بل هي محكمة في حق من يشق عليه الصيام؛ كالكبير والمريض الذي امتد به المرض، كما ورد عنه في رواية أخرى، وقد ورد عنه ما يدل على أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] (٤)، وهذا مذهب الجمهور، وهو أنه في أول فرض الصيام من شاء أفطر وأطعم، ومن شاء صام، ثم نُسخ ذلك.

ولا تعارض فيما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن النسخ المنفي هو إزالة الحكم بالكلية، والنسخ المثبت هو تخصيص بعض أفراد العام، والمتقدمون يطلقون النسخ على التخصيص أحياناً - كما ذكر القرطبي (٥) ـ، فتكون الآية نسخ حكمها في حق من يطيق الصيام، وبقي فيمن لا يطيقه إلا بمشقة.

ويخير الكبير العاجز عن الصيام ومن في حكمه في الإطعام بين أن يفرقه حباً على المساكين، لكل واحد مُدٌّ من البر، ومقداره (٥٦٣) جراماً تقريباً - كما تقدم في الزكاة - وبين أن يصنع طعاماً ويدعو إليه من المساكين بقدر الأيام التي أفطرها، لما ورد عن أنس رضي الله عنه أنه ضعف عن الصوم عاماً فصنع جَفْنَةَ ثَريدٍ، ودعا ثلاثين مسكيناً فأشبعهم (٦)، والله تعالى أعلم.


(١) "الإجماع" ص (٥٣)، "مراتب الإجماع" ص (٤٧).
(٢) أي: يكلفون إطاقته.
(٣) "صحيح البخاري" (٤٥٠٥).
(٤) أخرجه ابن الجارود (٣٨١)، وابن جرير (٣/ ٤٢٥).
(٥) "تفسير القرطبي" (٢/ ٢٨٨).
(٦) أخرجه الدارقطني (٢/ ٢٠٧)، وسنده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>