للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثاني: استدل بهذا الأثر من قال: إن الصوم ليس شرطاً في الاعتكاف، فيصح بلا صوم، وهذا قول بعض المالكية، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وهو قول ابن حزم (١).

والقول الثاني: أن الصوم شرط للاعتكاف مطلقاً، سواء أكان اعتكافاً واجباً أم تطوعاً، وهذا مذهب المالكية، وبه قال بعض الشافعية، ورواية عن أحمد (٢)، ورجح هذا القول ابن القيم، وقال: (إنه الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية) (٣)، وعند الحنفية أنه شرط في الاعتكاف الواجب دون التطوع (٤).

واستدل هؤلاء بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يعتكف إلا صائماً، إلا ما كان قضاءً، كما استدلوا بقول عائشة رضي الله عنها - المتقدم ـ: «ولا اعتكاف إلا بصوم»، والصحابي إذا أطلق السنة انصرف إلى سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

والراجح القول الأول، وهو أن الصوم ليس بشرط في الاعتكاف؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتكف العشر الأول من شوال قضاءً - كما ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها - ومن العشر الأول يوم العيد، ولا يمنع من اعتكافه اشتغاله بالصلاة والخطبة، فيعتكف بقية اليوم.

ولأن الاعتكاف عبادة مستقلة بنفسها، فلم يكن الصوم شرطاً فيه كالحج والجهاد، ولم يثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه اشترط الصوم للاعتكاف.

فإن قيل: ما الفائدة من قولنا: يصح بلا صوم، وقد تقدم أن أفضل الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؟

فالجواب: تظهر الفائدة فيما لو كان الإنسان مريضاً يباح له الفطر، ولكن أحب أن يعتكف فلا بأس، ولو كان اعتكافه بلا صوم، والله تعالى أعلم.


(١) "المحلى" (٥/ ٢٦٨)، "تفسير القرطبي" (٢/ ٣٣٤).
(٢) "بداية المجتهد" (٢/ ٢٠٧)، "المهذب" (١/ ٢٥٧)، "الإنصاف" (٣/ ٣٦٠).
(٣) "زاد المعاد" (٢/ ٨٨)، والذي رأيته في "الفتاوى" (٢٥/ ٢٩٢) أن ابن تيمية ذكر القولين بدون ترجيح، فلعل هذا الترجيح في موضع آخر أو في كتاب آخر.
(٤) حاشية ابن عابدين (٢/ ٤٧٠)، "فتاوى قاضي خان" (١/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>