للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكن أُعل هذا الحديث بالانقطاع بين عبد الله بن بريدة وعائشة رضي الله عنها، وقد أبان النسائي عن ذلك، وذكر الدارقطني في «السنن» (٣/ ٢٣٣) وكذا البيهقي (٧/ ١١٨) أن ابن بريدة لم يسمع من عائشة شيئاً، ثم إن الحديث قد اختلف فيمن رواه عن عائشة رضي الله عنها، فقد جاء من رواية مسروق عن عائشة موقوفاً، رواه النسائي (٩/ ٣٢٤)، ومن رواية شريح بن هانئ عنها موقوفاًـ أيضاً - رواه ابن أبي شيبة (١٠/ ٢٠٦).

الوجه الثاني: يستدل الفقهاء بهذا الحديث على فضل الدعاء في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر، وأنه يستحب لمن وفقه الله أن يكثر من الدعاء، ويدعو بما أرشد إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ لأنه دعاء عظيم جامع، فيه إظهار الذل والانكسار بين يدي الله تعالى؛ وأن العبد محل للذنوب؛ ولأن نِعم الله عليه لا تحصى، وهو محل للتقصير، فهو لا يسأل إلا العفو، مهما كان اجتهاده وعمله الصالح. وهذه عائشة رضي الله عنها قد شهد لها النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنة ومع هذا علَّمها النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن تدعو ربها أن يعفو عنها، فغيرها من باب أولى.

يقول البيهقي رحمه الله: (مسألة العفو من الله مستحبة في جميع الأوقات، وخاصة في هذه الليلة) (١).

وقال ابن رجب رحمه الله: (وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال، ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً، ولا حالاً ولا مقالاً، فيرجعون إلى سؤال العفو؛ كحال المذنب المقصّر) (٢).

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الدعاء في ليلة القدر كان أمراً معروفاً ومشهوراً عند الصحابة رضي الله عنهم، فهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قد حرصت على أفضل الدعاء وأكمله في هذه الليلة العظيمة؛ لأنها تعلم أن الدعاء فيها مستجاب، والنداء مسموع، وهذا دليل على حرصها وفقهها.


(١) "فضائل الأوقات" ص (٢٥٨).
(٢) "لطائف المعارف" ص (٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>