للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام مالك: يكره أن يعتمر في السنة مرتين (١)، وهو قول بعض السلف، كإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين.

واستدلوا بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لم يعتمروا في السنة إلا مرة واحدة.

وهذا لا حجة فيه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رغَّب أمَّته في العمرة وبيَّن فضلها، وحثَّهم على الاستكثار منها، فثبت بذلك الاستحباب من غير تقييد، وفِعْله لا ينافي قوله، فإنه قد يترك الشيء وهو يستحب فعله، لرفع المشقة عن أمته، وقد يكون صلوات الله وسلامه عليه مشغولاً بأمور المسلمين الخاصة والعامة، مما قد يكون أفضل من العمرة باعتبار النفع المتعدي للآخرين.

ومما يدل على فضل الاستكثار من العمرة حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» (٢).

الوجه الثالث: الحديث يدل على فضل الحج المبرور وأن جزاءه الجنة، والحج المبرور، قال عنه ابن عبد البر: (هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث، ولا فسوق، ويكون بمال حلال … ) (٣). فالحج المبرور له أوصاف خمسة:

الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى، لا رياء فيه ولا سمعة.


(١) "بداية المجتهد" (٢/ ٢٣١).
(٢) أخرجه الترمذي (٨١٠)، والنسائي (٥/ ١١٥)، وأحمد (٦/ ١٨٥) من طريق أبي خالد الأحمر، قال: سمعت عمرو بن قيس، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا. وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-)، والحديث فيه أبو خالد الأحمر، وهو سليمان بن حيان، وعاصم بن أبي النجود، وحديثهما من قبيل الحسن؛ لأن الأول: صدوق يخطئ، والثاني: صدوق له أوهام، وقد تقدم له ذكر.
(٣) "التمهيد" (٢٢/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>