للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأما حديث ابن عمر رضي الله عنها، فقد أخرجه الترمذي (٨١٣) من طريق إبراهيم بن يزيد الخوزي، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن ابن عمر، قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله: ما يوجب الحج؟ قال: «الزاد والراحلة»، وقال الترمذي: (هذا حديث حسن).

وقد انتقد العلماء تحسين الترمذي، وبيَّنوا أنه لا وجه له؛ لأنه من رواية إبراهيم الخوزي، وهو متروك، لا يحتج بحديثه، كما جزم به غير واحد. قال ابن حزم: (إبراهيم بن يزيد ساقط مطرح) (١)، وعلى هذا فلا يصح في هذا الباب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم شيء.

الوجه الثاني: دلَّ القرآن في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: ٩٧] على أن الاستطاعة شرط في وجوب الحج، وهذا - والله أعلم ـ؛ لأن الحج عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة، فكان ذلك شرطاً فيها كالجهاد. وقد اختلف العلماء في تفسير الاستطاعة، فذهب الجمهور من أهل العلم، وهم الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الاستطاعة هي ملك الزاد والراحلة، وبه قال جماعة من السلف (٢)، مستدلين بالأحاديث الواردة في هذا الباب، التي جاء فيها تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة. قالوا: وهذه الأحاديث وإن كان فيها المقال المتقدم، إلا أنها باجتماعها تقوى، ويشد بعضها بعضاً، فتصلح للاحتجاج بها على أن مناط الوجوب: وجود الزاد والراحلة. وقد ذكر الترمذي أن أكثر أهل العلم على العمل بها (٣)، وقد روى ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير السبيل أنه قال: (أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زادٍ وراحلة من غير أن يجحف به) (٤).


(١) "المحلى" (٧/ ٥٥)، "تهذيب التهذيب" (١/ ١٥٧).
(٢) "حاشية ابن عابدين" (٢/ ٤٥٩ - ٤٦٠)، "المغني" (٥/ ٨)، "روضة الطالبين" (٣/ ٣).
(٣) "جامع الترمذي" (٣/ ١٧٧)، "نيل الأوطار" (٤/ ٣٢٢)، "أضواء البيان" (٥/ ٩٢).
(٤) تفسير ابن جرير (٧/ ٣٨)، "السنن الكبرى" للبيهقي (٤/ ٣٣١) وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>