للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخذاً بظاهر الأمر في قوله: «حجي عنها»، وقول الجمهور أرجح لأمرين:

الأول: أنه يلزم من عدم القضاء الإثم، لترك الواجب، وهذا مخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: ١٨].

الثاني: أن الأمر إذا كان جواباً لسؤال لا يحمل على الوجوب؛ لأن ظاهر قولها: (أفأحج عنها؟) أي: أفيجزئ أن أحج عنها؟ (١).

لكن لو قيل بوجوب ذلك على الولد من باب بر الوالدين لكان وجيهاً، فيكون الإيجاب خاصّاً بالولد دون غيره من الأولياء؛ لأن بر الوالدين واجب مطلقاً، سواء كان ذلك في حياتهما أم بعد مماتهما.

الوجه الرابع: الحديث دليل على انعقاد النذر في العبادات، وهو إلزام المكلف نفسه شيئاً غير واجب بأصل الشرع، وأنه يجب الوفاء به إذا كان طاعة، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه» (٢)، وقد أقر النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه المرأة على قضاء نذر أمها، وأنه ينفعها ذلك، ولو كان غير واجب، أو لا ينفعها لما أمرها صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء، وسيأتي الكلام على النذر وبيان حكمه في «بابه»، إن شاء الله.

الوجه الخامس: الحديث دليل على جواز القياس، وأنه أصل من أصول الشريعة؛ لأن فيه التنبيه على قياس دَيْن الله تعالى على دَيْن الخلق، وهذا يدل على أن وفاء الدين المالي عن الميت كان معلوماً عندهم مقرراً، ولهذا حَسُنَ جعله أصلاً يقاس عليه هذا الفرع، والله تعالى أعلم.


(١) انظر: "المغني" (١٣/ ٦٥٦).
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>