للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليس هذا التحريم من أجل معنى يتعلق بنفس الصيد، ولا من أجل عدم قابلية المحرم لأكله، ولكن - والله أعلم - من أجل إبعاد المحرم عن الترفه وتعلق قلبه بالصيد، وإشغال بدنه في طلبه، فيتلهى بذلك عما هو بصدده من الإقبال على الله تعالى والاشتغال بمهام نسكه.

أما تحريم قتل الصيد في الحرم، فلأن في صيده - والله أعلم - انتهاكاً لأمن الحرم الذي جعله الله آمناً.

الوجه الرابع: استدل بهذا الحديث فقهاء الكوفة، وطائفة من السلف: كعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير على جواز أكل المحرم مما صاده الحلال مطلقاً، سواء صاده لأجله أم لا (١).

ووجه الاستدلال: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يسأل أبا قتادة: هل صاده لأجل رفقته أو لا؟ وأقر الرفقة على أكلهم قبل أن يأتوا، وأمرهم بأكل ما بقي من لحمه.

وذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن ما صاده الحلال لأجل المحرم فإنه يحرم على المحرم، لحديث الصعب بن جثَّامة الآتي، وما لم يصده لأجله ولا كان بدلالته أو إعانته حلَّ له؛ لحديث أبي قتادة هذا، وهذا هو الراجح؛ لأنه تجتمع به الأدلة (٢)، وأما الاستدلال به على الإطلاق المتقدم ففيه نظر، فإن الحديث لا يدل على الجواز مطلقاً، وإنما يدل على أن من أعان على الصيد لم يحلَّ له أكله، وأما من لم يُعن على صيده، فلا يدل على الجواز، وإنما يستفاد حل أكله في هذه الحال من دليل آخر.

وهذا في صيد البر، وأما صيد البحر فقد دلَّ القرآن على حلِّه، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} … } [المائدة: ٩٦]، والمراد بصيد البحر: المأخوذ منه حيّاً، {وَطَعَامُهُ}: المأخوذ منه ميتاً (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) انظر: "فتح الباري" (٤/ ٣٣).
(٢) "شرح فتح القدير" (٣/ ٩٣)، "روضة الطالبين" (٣/ ١٦٣)، "المنتقى" (٢/ ٢٤٨)، "فتح الباري" (٤/ ٣٣)، "كشاف القناع" (٢/ ٣٩١).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (١١/ ٥٧، ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>