للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأطلق عليهما اليمانيان: لأنهما من جهة اليمن؛ فالحجر الأسود في الجنوب الشرقي للكعبة، والركن اليماني في الجنوب الغربي، وفي مقابلهما الركنان: الشامي في الشمال الشرقي للكعبة يلي الحجر الأسود، والثاني: في الغربي منها، ويليه الركن اليماني.

والحكمة - والله أعلم - في ترك استلام الركنين الآخرين: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يستلمهما، ولأنهما ليسا على قواعد الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن قريشاً لما بنوها قَصُرَتْ بهم النفقة، فَحَطَمُوا منها الحِجْرَ، فخرج فيه من الكعبة نحو ستة أذرع ونصف.

وعن الطفيل، قال: رأيت معاوية يطوف بالبيت عن يساره عبد الله بن عباس، وأنا أتلوهما في ظهورهما، أسمع كلامهما، فطفق معاوية يستلم ركن الحَجَر، فقال له عبد الله بن عباس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يستلم هذين الركنين. فيقول معاوية: دعني منك يا ابن عباس، فإنه ليس منها شيء مهجور، فطفق ابن عباس لا يزيده، كلما وضع يده على شيء من الركنين، قال له ذلك (١).

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن السنة كما تكون في الأفعال تكون كذلك في التروكات، فإذا وجد سبب الفعل في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يفعل، دل هذا على أن السنة تركه، وهذا النوع من السنة أصل عظيم، وقاعدة جليلة، به تحفظ أحكام الشريعة، ويُوصد باب الابتداع في الدين.


= عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن ابن عمر، به. وهذا إسناد صحيح، وسفيان الثوري ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط، وكذا رواه النسائي (٥/ ٢٢١) من طريق حماد بن زيد، عن عطاء، به. وهو ممن سمع منه -أيضًا- قبل الاختلاط. وللحديث طرق أخرى.
(١) أخرجه الترمذي (٨٥٨)، وأحمد (٤/ ٨٧) وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح)، وعلقه البخاري (١٦٠٨)، وأخرج مسلم (١٢٦٩) المرفوع فقط من وجه آخر عن ابن عباس. وأخرجه أحمد (٣/ ٣٦٩ - ٣٧٠) من طريق خُصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس … وفيه: فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فقال معاوية: صدقت. وخصيف وهو ابن عبد الرحمن الجزري: صدوق سيء الحفظ، لكنه متابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>