للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (قالوا: والمقصرين) معطوف على (المحلقين) ويسمّى: العطف التلقيني؛ أي: قل: المحلقين والمقصرين، والتقصير: قص أطراف شعر الرأس من جميع نواحيه.

قوله: (قال في الثالثة) أي: إنه دعا للمحلقين مرتين، وفي الثالثة دعا للمقصرين.

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الحلق والتقصير من مناسك الحج والعمرة وليس إطلاقاً من محظور. وهذا قول جمهور أهل العلم؛ لأنه لو لم يكن قربة لله تعالى لما استحق فاعله دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرحمة؛ لأنه لا يدعو إلا لشيء مطلوب شرعاً، ولقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧]، ووجه الدلالة: أن الله تعالى وصفهم بالحلق، ولو لم يكن من المناسك كاللبس، وقتل الصيد، لما وصفهم به.

الوجه الرابع: الحديث دليل على أن الحلق أفضل من التقصير؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كرر الدعاء للمحلقين، وذلك لأن التعبد والتعظيم لله تعالى بالحلق أظهر وأكمل، ولأن الله تعالى قدمه على التقصير، فقال: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب في أصل وضعها، لكن وجد قرائن تفيد ذلك، ولأنه فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم.

ويستثنى من ذلك المتمتع الذي قدم مكة متأخراً بحيث لا ينبت شعره قبل الحج، فإن التقصير في حقه أفضل، كما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بذلك في حجة الوداع (١)، ليجمعوا بين التقصير في العمرة، والحلق في الحج، ولو حلقوه في العمرة حينئذ لم يبق في الرأس شعر للحج.

ولا بد في التقصير من تقصير جميع الرأس على الراجح من أقوال أهل العلم، وذلك بأن يعم ظاهر الرأس، لا أن يأخذ من كل شعرة بعينها، ووجه ذلك أن الله تعالى أضاف الحلق والتقصير إلى الرأس، والفعل المضاف إلى


(١) "صحيح مسلم" (١٢١٦) (١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>