للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (حتى يكتاله) أي: يستوفيه بالكيل، وقد جاء في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه"، وفي لفظ: "حتى يقبضه" (١). يقال: كال الدافع، واكتال الآخذ، قال تعالى: {وَيلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)} [المطففين: ١ - ٣]. وظاهر اللفظ: "يكتال" يشعر بأنه خاص بما يحتاج إلى كيل، لكن لفظ: "يستوفيه"، ولفظ: "يقبضه" يفيد العموم، كما سيأتي؛ لأن مجموع الألفاظ يفيد معنى القبض والحيازة.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على نهي من اشترى طعامًا أن يبيعه قبل قبضه، وعبَّر بالكيل عن القبض، وذلك بأن يكتاله ويستوفيه؛ لأن قبض المكيل لا يحصل إلا بالكيل، وهذا النهي للتحريم؛ لأنه الأصل في صيغة النهي ما لم توجد قرينة تصرفها عن ذلك، وليس هنا قرينة صارفة عن التحريم، بل قد جاء في بعض الروايات ما يؤكد التحريم، فقد قال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: (لقد رأيت الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبتاعون جِزَافًا -يعني الطعام- يُضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم) (٢). والعقوبة بالضرب لا تكون إلا على أمر محرم.

° الوجه الرابع: جعل الفقهاء هذا الحكم عامًّا في كل مبيع يحتاج قبضه إلى حق توفيةٍ من مكيل وموزون ومذروع ومعدود، وهذا من باب القياس، فلا يصح بيع شيء من ذلك إلا بعد استيفائها من البائع بما تقبض به، بواحد من هذه الطرق؛ لأن كلًّا منها معيار لتقدير الأشياء، فيجب أن يكون كل ما يحتاج إلى تقدير يجري القبض فيه باستيفاء قدره.

° الوجه الخامس: ظاهر الحديث أن المنع من بيع الطعام قبل قبضه عام في كل طعام بيع كيلًا أو بيع جزافًا (٣)، وهذا مذهب الجمهور، ورواية عن


(١) أخرجه البخاري (٢١٢٦)، ومسلم (١٥٢٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢١٣٧)، ومسلم (١٥٢٧).
(٣) الجزاف: -بكسر الجيم وفتحها وضمها-، شراؤه من غير كيل ولا وزن ولا عد.

<<  <  ج: ص:  >  >>