للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

موجودة في غير ماء البحر، وهو قصر تعيين؛ لأن السائل كان متردداً بين جواز الوضوء وعدمه، فعين له الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم الجواز.

قوله: (الحِلُّ ميتته) هكذا بدون واو مع ثبوتها في مصنف ابن أبي شيبة، والمصنف ذكر أن اللفظ له، ولم يرد السؤال عن حكم ميتة البحر، لكن لما عرف النبي صلّى الله عليه وسلّم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته.

ومعنى (الحل) - بكسر الحاء - مصدر حلَّ يَحِلُّ - من باب ضرب - ضد حَرُمَ؛ أي: الحلال، كما في رواية للدارمي (١) والدارقطني وأحمد وغيرهم، والمراد بـ (ميتته) - بفتح الميم - ما مات من حيوان البحر بلا ذكاة، كالسمك؛ لا ما مات فيه مطلقاً، فإنه وإن صدق عليه لغة أنه ميتة بحرٍ فمعلوم أنه لا يراد إلا ما ذكر، وسيأتي زيادة بيان عند الكلام على الحديث «الثالث عشر»، إن شاء الله تعالى.

الوجه الرابع: اختصر الحافظ هذا الحديث فلم يذكر إلا الشاهد؛ وإلا فالحديث له سبب، وهو أنه جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: (يا رسول الله: إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته»).

وإنما توقف الصحابة رضي الله عنهم في التطهر بماء البحر؛ لأنه ماء مالح وريحه منتن؛ وما كان هذا شأنه لا يُشرب، فتوهموا أن ما لا يُشرب لا يُتطهر به، وإنما لم يجبهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بـ (نعم) حينما قالوا: (أفنتوضأ به؟)، لئلا يصير جواز الوضوء به معتبراً بحال الضرورة؛ وليس كذلك، ولئلا يُفهم أن الجواز مقصور على الوضوء دون غيره من إزالة الأحداث والأنجاس.

الوجه الخامس: الحديث دليل على أن ماء البحر طهور يرفع الحدث الأصغر والأكبر، ويزيل النجاسة؛ لأنه ماء طاهر باقٍ على خلقته.

الوجه السادس: الحديث دليل على أن المفتي إذا رأى من حال المستفتي أنه بحاجة إلى بيان أمر اخر غير الذي سأل عنه أنه يبينه له، وهذا من محاسن الفتوى (٢)، وهو دليل على الذكاء وجودة الملاحظة والحرص على نفع الناس بما يحتاجون إليه، والله أعلم.


(١) "سنن الدارمي" (١/ ١٥١).
(٢) "عارضة الأحوذي" (١/ ١٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>