للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (يريد إتلافها) أي: إنه عند أخذه لها لم تكن نيته الوفاء، بل يريد إتلاف ما أخذ على صاحبه، وهو يشمل ما إذا إدَّان وليس عنده نية الوفاء، أو أخذها بلا حاجة إليها وإنما يريد إتلافها على صاحبها.

قوله: (أتلفه الله) الضمير يعود على (من) في قوله: "ومن أخذها يريد اتلافها" وعبر بـ (أتلفه)؛ لأن إتلاف المال كإتلاف النفس.

وظاهر الحديث أن الإتلاف يقع له في الدنيا بإتلاف الشخص نفسه وإهلاكه، ويدخل فيه إتلاف ماله وجاهه وطيب عيشه وتضييق أموره وتعسير مطالبه، ولا مانع من تفسير الحديث بالمعنيين، والله أعلم.

° الوجه الثالث: في الحديث ترغيب في حسن النية عند الاستدانة من الناس، والترهيب من ضد ذلك، وأن من أخذ مال غيره بنية طيبة أوفى الله عنه وأعانه، ومن أخذها بنية فاسدة وخيانة أتلفه الله، قال العلماء: (وهذا وعيد شديد، يشمل من أخذ دينًا وتصدق به، وهو لا يجد وفاء؛ لأن الصدقة تطوع، ووفاء الدين واجب) (١).

° الوجه الرابع: في الحديث بشارة عظيمة من يستدين ونيته الوفاء، وقد روى النسائي بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - استدانت فقيل لها: يا أم المؤمنين، تستدينين وليس عندك وفاء؟ قالت: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أخذ دينًا وهو يريد أن يؤدي أعانه الله -عَزَّ وَجَلَّ-" (٢).

° الوجه الخامس: الحديث دليل على أن الجزاء من جنس العمل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل مكان أداء الإنسان أداء الله عنه، ومكان إتلافه إتلاف الله له.


(١) "بلوغ الأماني" (١٥/ ٨٩).
(٢) أخرجه النسائي (٧/ ٣١٥) قال الألباني: (وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين إذا كان عبيد الله بن عبد الله سمعه من ميمونة، فإن المعروف أنه يروي عنها بواسطة عبد الله بن عباس). والحديث صحيح بمجموع طرقه عند ابن ماجه (١١٥٧)، وأحمد (٤٤/ ٣٩٩)، وابن حبان (١١/ ٤٢٠). انظر: "الصحيحة" للألباني (٣/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>