للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يحترمهم ولا يبالي بهم؛ لكفره وضلاله، فإن هذا اليهودي امتنع من البيع بثمن مؤجل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أوفى الناس وأكرم الناس، ولكن الحقد الذي ملأ قلبه جعله يعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المعاملة الجافية، ويقول هذه المقالة السيئة.

° الوجه الخامس: الحديث دليل على جواز معاملة الكفار والشراء منهم والبيع عليهم وغير ذلك من التصرفات، وأن هذا لا يعتبر من موالاتهم ولا الركون إليهم، وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل ورهنه درعًا من حديد" (١). قال الصنعاني: (وهو معلوم من الدين ضرورة، فإنه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أقاموا بمكة ثلاث عشرة سنة يعاملون المشركين، وأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة عشرًا يعامل هو وأصحابه أهل الكتاب، وينزلون أسواقهم كسوق بني قينقاع وغيره) (٢).

° الوجه السادس: حسن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وتواضعه وتحمُّله، وأنه لم يعاتب هذا اليهودي بل أعرض عنه امتثالًا لما أدبه ربه جل وعلا به في قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)} [الأعراف: ١٩٩]. وقد دلَّ ذلك على أن الناس أحرار في بيعهم وشرائهم ما داموا متقيدين بأحكام الشرع، وأنهم إذا اعتذروا عن البيع سواء كان معجلًا أو مؤجلًا فلا حرج، إلا إن وجد أسباب تقتضي إلزام من امتنع، مثل حالة الاحتكار وحاجة الناس إلى ما عند التجار فإنهم يلزمون بالبيع.

ومن الناس من يجد في نفسه شيئًا على بعض إخوانه ممن امتنع أن يبيع عليه إلى أجل، وهذا البائع قد لا يرى البيع عليه إما لأنه يتهمه بأنه مماطل، أو أنه يُعرف بذلك، أو لأسباب أخرى، فإذا امتنع من البيع عليه أمكن وجود ذلك عند غيره، ولا حاجة إلى المعاتبة، ففي فعله - صلى الله عليه وسلم - أسوة صالحة، والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه البخاري (٢٠٦٨)، ومسلم (١٦٠٣).
(٢) "حاشية الصنعاني على شرح العمدة" (٤/ ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>