للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول بجوازها هو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلا أن الحنفية لا يقولون بجواز الاشتراك فيما يُكتسب من المباح، بل هي عندهم شركة فاسدة، ويكون لكل من الشركاء ما اكتسبه دون صاحبه؛ لأن الشركة تتضمن الوكالة، والتوكيل في أخذ المباح باطل؛ لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه بدون أمره، فلا يصلح نائبًا عنه (١)، والمالكية تشترط اتحاد الصنعة والمكان.

وقالت الشافعية والظاهرية بعدم جواز شركة الأبدان وأنها إن وقعت فهي باطلة؛ لأن معنى الشركة هو الاختلاط، وهو لا يتحقق إلا في الأموال، أما شركة الأبدان فهي قائمة على الجهد البدني، وعمل كل إنسان ملك له يختص به ولا يشاركه فيه غيره (٢).

وأجاب ابن حزم عن حديث الباب بأنه منقطع، وعلى فرض صحته فإن غنائم بدر كانت للرسول - صلى الله عليه وسلم - يدفعها إلى من شاء، لقوله تعالى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: ١] وهذا يدل على بطلان الشركة في الغنائم.

وَرُدَّ هذا بأن غنائم بدر كانت لمن أخذها من قبل أن يُشَرِّكَ الله تعالى بينهم.

والقول بجواز شركة الأبدان هو الراجح، وليس ذلك لحديث الباب فإنه ضعيف، ولكن لأمور ثلاثة:

١ - أن الأصل في العقود الجواز، ومنها الشركات، ما لم يقم دليل على المنع، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وهذا أمر بالتزام الوفاء بالعقود التي يعقدها المسلم ما لم تخالف الشرع.

٢ - أن الناس ما زالوا يتعاملون بهذه الشركة من زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا من غير أن ينكر ذلك أحد، فيكون هذا إجماعًا سكوتيًّا.


(١) "البحر الرائق" (٥/ ١٩٧)، "بداية المجتهد" (٤/ ١٢)، "المغني" (٧/ ١١١).
(٢) "المحلى" (٨/ ٥٤٢)، "مغني المحتاج" (٢/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>