للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأما حكمة مشروعيتها: فإن موضوع الشفعة هو العقارات المشتركة كالأراضي والبساتين، والشركة في الغالب منشأ الضرر والمشاكل؛ لأن كثيرًا من الخلطاء يبغي بعضهم على بعض، فجاءت هذه الشريعة الكاملة بدفع هذا الضرر: بالقسمة تارة، وانفراد كل من الشريكين بنصيبه، وبالشفعة تارة، وانفراد أحد الشريكين بالجملة، لدفع ما قد يكون من ضرر يصيب الشريك بسبب مشاركته شخصًا قد لا تؤمن عواقبه، على وجه لا يتضرر به صاحبه؛ لأن المشتري إلى الآن لم يثبت له من أحكام الاشتراك ما يتضرر بفقده، ثم هو يصل إلى حقه من الثمن، وهذا يصل إلى استبداده بالمبيع وانفراده به، بالإضافة إلى ما يحصل عليه الشفيع بالشفعة من سعة مسكنه، أو زيادة في مزرعته، أو بقعته، تمكنه من استغلالها وإنماء غلاتها.

كما أن من حكمتها دفع ضرر مؤنة القسمة إذا طلبها الشريك؛ لأن للقسمة أضرارًا من نواحٍ شتى؛ كنقص الانتفاع بالشقص بسببها، وما يترتب على ذلك من إحداث مرافق لكل نصيب؛ كالسلَّم والبالوعة والطريق، وما يستلزم ذلك من نفقات.

وبهذا يعلم أن الشفعة ليست على خلاف القياس -كما قد يُظن، لكون الشقص أُخذ من المشتري قهرًا، والأصل أنه لا يخرج المال إلا بطيب نفس من صاحبه- لأن هذا الأصل مراد به منع الظلم والإضرار بصاحب المال، أما ما لا يتضمن ظلمًا ولا إضرارًا، وإنما يتضمن مصلحة فهو على أصول الشريعة، وهي توجب المعاوضة للحاجة والمصلحة الراجحة وإن لم يرضَ صاحب المال (١).


(١) انظر: "إعلام الموقعين" (٢/ ١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>