للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - أنه سيأتي أن الأعمش صرح في الحديث بأنه حدثه شيوخه عن عروة المزني، فلو كان عروة هذا مجهولاً فكيف يحدث عنه الكثيرون؟! فعلم أنه عروة بن الزبير، ووصفه بالمزني غلط من أحد الرواة، كما سيأتي.

٤ - أن المعروف عند المحدثين أن من يُذكر غير منسوب يحمل قطعاً على المشهور المتعارف بينهم، لا على المجهول، وعلى تقدير صحة ما قيل: إن عروة هو المزني؛ أفلا يحتمل أن حبيباً سمعه من ابن الزبير وسمعه من المزني - أيضاً - كما يقع ذلك في بعض الأحاديث.

وأما العلة الثانية وهي الانقطاع فمردودة - أيضاً - فإن حبيب بن أبي ثابت - وهو ثقة متفق على توثيقه - لا يُنْكَرُ لقاؤه عروة؛ لأنه قد روى عمن هو أكبر من عروة وأجلّ وأقدم موتاً، وهو إمام من أئمة العلماء الجلّة. ذكر ذلك ابن عبد البر، وقال في موضع اخر: (لا شك أنه لقي عروة) (١)، ويؤيد ذلك ما تقدم من قول أبي داود: (وقد روى حمزة الزيات عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثاً صحيحاً)، والمراد بهذا الحديث ما أخرجه الترمذي في كتاب (الدعوات) من جامعه: حدثنا أبو كريب، أخبرنا معاوية بن هشام، عن حمزة الزيات، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم عافني في جسدي، وعافني في بصري .. » (٢).

والذي يظهر أن علة الانقطاع غير مدفوعة، لأن قول ابن عبد البر لا يقابل قول الأئمة الكبار - كما تقدم - وليس عند ابن عبد البر إلا مجرد إمكان اللقي، وهذا لا يبرر سماع حبيب من عروة، ولا يكفي في رد كلام الأئمة. وأما مقولة أبي داود فهي من طريق حمزة الزيات، وتقدم ما فيه، ثم إن صح فهو محمول على حديث خاص، وهذا لا يعني أن حبيباً سمع من عروة مطلقاً.

وقد ورد حديث الباب من طريق أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قبّلها ولم يتوضأ. أخرجه أبو داود (١٧٨)، والنسائي


(١) "الاستذكار" (٣/ ٥٢).
(٢) "جامع الترمذي" (٣٤٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>