للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الرابع: الحديث دليل على اعتبار الحرية في الكفاءة بين الزوجين وأنه شرط، فلا يكون العبد كفؤًا للحرة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - خير بريرة حين عتقت تحت عبد، وإذا ثبت الخيار في الاستدامة، ففي الابتداء أولى، ولأن العبد منقوص بالرق ممنوع من التصرف، مشغول عن امرأته بحقوق سيده، لا ينفق نفقة الموسرين.

والكفاءة في الحرية ليست شرطًا لصحة النكاح، وإنَّما هي شرط للزومه، فيتوقف ذلك على رضا المرأة والأولياء، بدليل هذه القصة، وشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها، فقد ورد عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث؛ كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعباس: "يا عبَّاس ألا تعجب من حب مُغيثٍ بريرةَ، ومن بغض بريرة مغيثًا"، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو راجعتيه"، فقالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "إنما أنا أشفع"، قالت: لا حاجة لي فيه (١). فدل ذلك على صحة النكاح لو وافقت على البقاء مع زوجها.

• الوجه الخامس: الجمهور من أهل العلم على أن الأمة إذا عتقت تحت حر فليس لها الخيار، لمفهوم قوله في الحديث: (وكان عبدًا) فإن هذا يدل على أن الحر ليس كذلك؛ لأنه لو لم يكن لذلك تأثير لم يكن لذكر هذا الوصف فائدة، فهو وصف مناسب يصح تعليل الحكم به.

ولأن الأصل في النكاح اللزوم والدوام، ولا طريق إلى فسخه إلَّا بالشرع، وقد ثبت في العبد، فيبقى الحر على الأصل، ولأنه لا ضرر عليها ولا عار وهي حرة في المقام تحت حر؛ لأن المكافأة موجودة، وإنما يكون ذلك إذا كانت تحت عبد، كما تقدم.

وخالف في ذلك الحنفية، وسفيان الثَّوري، فقالوا: إن من عتقت فلها الخيار مطلقًا، سواء أكانت تحت عبد أم حر (٢)، مستدلين برواية: (وكان حرًّا)، وهذا قول مرجوح؛ لأن هذه الرواية شاذة، كما تقدم.


(١) أخرجه البخاري (٥٢٨٣).
(٢) انظر: "فتح الباري" (٩/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>