للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي يدل على أن مس الذكر لا ينقض الوضوء، وقد اختلفت كلمة أهل العلم (١) في إزالة هذا التعارض على ثلاثة مسالك، وهي المسالك المعروفة في الأصول:

فمن أهل العلم من سلك مسلك النسخ، وأن حديث طلق بن علي منسوخ بحديث بسرة؛ لأن حديثه متقدم، وحديثها متأخر، ودليل تقدمه ما مضى في ترجمته من أنه قدم المدينة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يبنون المسجد في أول الهجرة.

وممن قال بالنسخ: ابن حبان (٢) والطبراني (٣) وابن العربي (٤) والحازمي (٥) والبيهقي (٦) وابن حزم (٧)، وأيد ابن حزم القول بالنسخ بأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هل هو إلا بضعة منك» دليل على أن ذلك كان قبل الأمر بالوضوء من مس الذكر؛ لأنه لو كان بعده لم يقل عليه الصلاة والسلام هذا الكلام، بل كان يبين أن الأمر بذلك قد نسخ، وقوله هذا يدل على أنه لم يكن سلف فيه حكم أصلاً، وأنه كسائر الأعضاء.

لكن القول بالنسخ فيه ضعف لأمرين:

الأول: أن القاعدة عند الأصوليين أنه لا يعدل إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع بين الدليلين؛ لأن النسخ إبطال لأحدهما، والجمع بينهما عمل بهما، وهو ممكن.

الثاني: أن العلماء قالوا: إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي أو تقدم أَخْذِه، لجواز أن يكون الراوي المتأخر رواه عن غيره من الصحابة، ولذا قال الشوكاني: (إن هذا ليس دليلاً عند المحققين من أئمة الأصول) (٨).


(١) انظر:"عارضة الأحوذي" (١/ ١١٤) حيث قال ابن العربي: (هذا الباب عظيم القدر في الدين اختلف فيه الصحابة والتابعون والفقهاء إلى الآن .. وقد جرت فيه مناظرة بين العلماء .. ).
(٢) "صحيح ابن حبان" (٣/ ٤٠٥).
(٣) "المعجم الكبير" (٨/ ٤٥٢).
(٤) "عارضة الأحوذي" (١/ ١١٧).
(٥) "الاعتبار" ص (٤٣).
(٦) "الخلافيات" (٢/ ٢٨٨).
(٧) "المحلى" (١/ ٢٣٩).
(٨) "نيل الأوطار" (١/ ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>