للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والقول بوجوب القرعة هو قول أكثر العلماء، ومنهم الشافعية والحنابلة، وأحد الأقوال عن مالك، وذهب مالك في رواية عنه إلى أن له السفر بمن شاء منهن بلا قرعة؛ لأنها قد تكون أنفع له في سفره والأخرى أنفع له في بيته وماله (١).

والصواب هو القول الأول، لقوة دليله، وهو أن الزوج إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فمن خرجت لها القرعة تعين تقديمها، ولو أراد السفر بغيرها لم يجز، وإن وهبت حقها لغيرها جاز إذا رضي الزوج؛ لأن الحق لها، فصحت هبتها له، كما لو وهبت ليلتها في الحضر، ولا يجوز بغير رضا الزوج، كما تقدم في هبة الليلة.

وإن رضين بخروج إحداهن معه بلا قرعة فلا بأس؛ لأن الحق لهن، إلا أن لا يرضى الزوج، ويريد غير من اتفقن عليها، فيصار إلى القرعة، وكذا لو كان كثير الأسفار، وأراد أن يجعل لكل واحدة سَفْرَةً فإنه يجوز؛ لأن هذا حق متميز لا خفاء فيه.

والقرعة غير موجبة، بمعنى أنه لو أقرع بينهن وخرجت القرعة لواحدة منهن لم يجب عليه السفر بها، بل له تركها والسفر وحده.

وإذا سافر بإحدى نسائه لم يلزمه القضاء للحاضرات بعد قدومه، بل يبدأ قسمًا جديدًا، وقد نقل القاضي عياض الإجماع على ذلك (٢)؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - لم تذكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقضي للباقيات بعد قدومه، ولأن هذه التي سافر بها وإن حظيت بصحبة الزوج، فقد تعبت لمشقة السفر، ولا يحصل لها من الراحة مثل ما يحصل في الحضر، فلو قضى للحاضرات لكان قد مال على المسافرة كل الميل (٣).

° الوجه الثالث: هذا الحديث من أدلة القائلين بمشروعية القرعة لتمييز


(١) "إكمال المُعْلِم" (٨/ ٢٦٧)، "حاشية الدسوقي" (٢/ ٣٤٣).
(٢) "إكمال المُعْلِم" (٦/ ٢٨٧).
(٣) "المغني" (١٠/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>