للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد جاء في "مسائل أبي داود" أن الإمام أحمد احتج بهذا الحديث (١).

* الوجه الثاني: استدل الفقهاء من المالكية والحنابلة بهذا الأثر على أن الزوج إذا غاب ولم يترك لزوجته نفقة وليس له مال ظاهر أن لها حق المطالبة بفراقه إن رغبت في ذلك، لما يصيبها من الضرر بسبب عدم إنفاقه (٢)؛ لأن عمر - رضي الله عنه - كتب إلى قواد جيوشه ورؤساء ألويته في أطراف البلاد الإسلامية في شأن رجال غابوا عن نسائهم، بأنه يلزمهم إرسال نفقة نسائهم أو يفارقونهن، وإذا فارقوهن بعثوا بنفقة ما مضى، إلا إن رضيت الزوجة بإسقاط نفقة ما مضى فلها ذلك.

وهذا بخلاف نفقة الأقارب، فإن المُنْفِقَ لو غاب عن قريبه ولم ينفق عليه لم تلزمه نفقة ما مضى؛ لأن نفقة القريب مقصود بها سد الحاجة، أما نفقة الزوجة فهي من باب المعاوضة، والمعاوضة لا تسقط بمضي الزمان، بخلاف ما كان لدفع الحاجة فإنها إذا مضى زمنها استغنى عنها، فأشبه ما لو استغنى عنها بيساره (٣).

وقد استثنى المالكية في موضوع الزوجة إذا غاب زوجها: ما إذا تعهد قريب الزوج أو أجنبي بالإنفاق عليها فلا حق لها في الفراق (٤).

وقالت الشافعية: لا حق لامرأة الغائب في طلب الفراق إلا إذا أثبتت بالبينة أنه معسر حيث هو، فلا يكتفى بالجهل بحاله، ولا بإعساره في مبدأ غيبته؛ لأن الإضرار بها إنما يتحقق بالإعسار، فما لم يثبت لم يكن لها حق الفرقة، فكأن الشافعية يديرون الأمر مع الإعسار لا مجرد الغيبة.

كما اشترطوا لسقوط حقها في طلب الفراق أن يكون المتبرع بالنفقة أصلًا للزوج، والزوج من عياله حتى لا تلحقها بذلك مذلة ولا مهانة، فإن كان أجنبيًّا أو قريبًا غير أصل لم تجبر على قبول النفقة منه، ولا يسقط حقها في المطالبة. والله تعالى أعلم.


(١) ص (١٧٩).
(٢) "المغني" (١١/ ٣٦١).
(٣) "المغني" (١١/ ٣٦٧).
(٤) "الفرقة بين الزوجين" ص (١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>