للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (قال: أمك) بالنصب لفعل محذوف، دل عليه ما قبله؛ أي: بُرَّ أمك وصلها أولًا.

وقد ذكرت الأم في هذا الحديث ثلاث مرات، وفي حديث أبي هريرة عند البخاري كذلك، وهذا يقتضي أن يكون لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر، وقد نقل ابن القيم عن الإمام أحمد أنه قال: للأم ثلاثة أرباع البر (١).

قوله: (ثم الأقرب فالأقرب) أي: إلى آخر ذوي الأرحام.

* الوجه الثالث: في الحديث حث على بر الأقارب والإحسان إليهم، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، وإنما كانت الأم أحقهم لكثرة تعبها وشفقتها وخدمتها؛ لأن لها فضيلة الحمل والرضاع والتربية، وفي الحمل التعب، ثم مشقة الوضع، قال تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف: ١٥] وإذا كانت الأم مقدمة على الأب فتقديمها على غيره من باب أولى، ومن بر الأم والأب الإنفاق عليهما.

وقد نقل الحافظ عن الجمهور أن الأم مقدمة على الأب في البر، وهذا هو صريح حديث الباب، وأما ما تقدم في حديث طارق: "أمك وأباك" فإن الواو بمعنى (ثم)؛ لأن غير الصريح يحمل على الصريح، وقد نقل بعضهم الإجماع على تقديم الأم على الأب، لكن حكى القاضي عياض في المسألة خلافًا، فقيل: إنهما سواء (٢)، والصواب الأول. والله تعالى أعلم.


(١) "تهذيب السنن" (١٤/ ٤٨).
(٢) انظر: "إكمال المعلم" (٨/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>