للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان من علة لازمة قيل: عَرِجَ -بالكسر- يَعْرَجُ من باب (تعب) (١).

قوله: (فأبعدك الله) جملة دعائية غير مقصودة؛ لأنَّ هذا الرجل قد أساء الأدب، فدعا عليه من باب الزجر عن هذه العجلة.

قوله: (وبطل عرجك) أي: ضاع عليك أرش عرجك، وفاتك ما كان له من دية بسبب تعجلك في القصاص.

° الوجه الثالث: يستدل الفقهاء بهذا الحديث على النَّهي عن استيفاء القصاص في الجروح حتَّى يندمل الجرح ويشفى صاحبه، ويعرف ما صار إليه الجرح وانتهى، وذلك لاحتمال السراية، وهي تجاوز العَطَبِ من محل الجناية إلى غيره.

وهذا النَّهي للتحريم، فيحرم أن يُقتص من عضو قبل برئه، والقول بالتحريم هو المشهور من مذهب الحنابلة، وهو قول الحنفية والمالكية، وذهب الإمام الشَّافعي إلى أنَّه لا يحرم، وإنَّما النَّهي للكراهة أو للإرشاد، وهو رواية لأحمد خَرجَهَا الموفَّق (٢). واستدلوا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقاد الرجل، ولو كان حرامًا ما أقاده.

قال ابن المنذر: (كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالقصاص من الجرح حتَّى يبرأ صاحب الجرح) (٣).

فإذا اقتص المجني عليه من الجاني قبل برء جرحه ثم سرت الجناية بطل حقه ولا ضمان على الجاني؛ لأنَّه باقتصاصه قبل الاندمال رضي بترك ما يزيد عليه بالسراية، فبطل حقه منه، كما لو رضي بترك القصاص.

فإن رضي المجني عليه بتأخير القصاص إلى البرء، ثم سرت الجناية كأن يقطع إصبعًا عمدًا، ثم تآكلت أخرى، وجب على الجاني الضَّمان، إمَّا بالقصاص أو الدية؛ لأنَّ السراية أثر الجناية، والجناية مضمونة، فكذا أثرها، وهو مبني على قاعدة: (ما ترتب على غير المأذون فهو مضمون). والله تعالى أعلم.


(١) "المصباح المنير" (٤٠١).
(٢) "المغني" (١١/ ٥٦٣ - ٥٦٤).
(٣) "الإشراف" (٧/ ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>