للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° الوجه الثاني: في الحديث دليل على أن عمارًا - رضي الله عنه - يقتل في حرب

بين طائفتين من المسلمين، وقد دل التاريخ على أن الطائفة الأولى أهل

العراق بقيادة علي - رضي الله عنه -، والثانية أهل الشام بقيادة معاوية - رضي الله عنه -، وأول ما

نشأت الفتنة من قتل عثمان - رضي الله عنه - حيث امتنع معاوية من بيعة علي - رضي الله عنه - بحجة

أن معه قتلة ابن عمه عثمان - رضي الله عنه -، وطلب منه تسليمهم للانتقام منهم،

فمعاوية - رضي الله عنه - خرج بشبهة، وهي المطالبة بدم عثمان - رضي الله عنه -. فكاتبهم علي - رضي الله عنه -

مبينًا أنه ينظر في الأمر؛ لأن القتلة ليسوا أفرادًا، بل هم جمع غفير، ولهم.

قوة، فلا يمكن تسليمهم في الحال، فحصل الانقسام بين المسلمين، طائفة تُؤْثِرُ الخليفة الرابع عليًّا - رضي الله عنه -، والأخرى تُؤْثِرُ معاوية، وثالثة اعتزلت المعسكرين، وابتعدت عن الفتنة، فحصلت موقعة الجمل، ثم وقعة صفين، وفيها قتل عمار - رضي الله عنه -، قتله أهل الشام، وبأن بذلك وظهر سِرُّ ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن عليًّا محق، وأن معاوية باغٍ (١). وهذه من الفتن التي وقعت في القرن الأول المشهود له بالخيرية، وقد روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تفترق أمتي فرقتين، فتمرق بينهما مارقة، فيقتلها أَولى الطائفتين بالحق" (٢)، وهذا دليل على:

١ - أن ما حصل بين علي ومعاوية - رضي الله عنه - أنه عن اجتهاد وتأويل.

٢ - أن عليًّا أقرب إلى الصواب من معاوية، بل نكاد نجزم بصوابه، إلا أن معاوية كان مجتهدًا.

٣ - أن كلا الطائفتين على الحق، ولكن إحداهما أقرب إليه.

يقول ابن كثير: (هذا الحديث من دلائل النبوة؛ لأنه قد وقع الأمر طبق ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفيه الحكم بإسلام الطائفتين: أهل الشام وأهل العراق، لا كما تزعمه فرقة الرافضة أهل الجهل والجور من تكفيرهم أهل الشام، وفيه أن أصحاب عليٍّ أدنى الطائفتين إلى الحق، وهذا مذهب أهل


(١) "البداية والنهاية" (١٠/ ٥٢٦).
(٢) "المسند" (١٨/ ٢٧٤)، وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>