للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو هكذا، فإنما جعل الاستئذان من أجل النظر" (١).

° الوجه الرابع: في الحديث دليل على أن من اطلع على بيت غيره بغير إذنه فإنه لا حرمة له ولا لنظره، ولو حذفه صاحب المنزل بحصاة ففقأ عينه لم يكن عليه إثم ولا ضمان لا بقصاص ولا دية؛ لأن هذا دفاع مأذون فيه، والمترتب على المأذون فيه غير مضمون، وظاهر الحديث -كما تقدم- أنه لا يرميه بثقيل أو يرشقه بنُشَّابة، فإن فعل تعلق به القصاص أو الدية، وإنما يرميه بالشيء الخفيف كالمِدْرَى (٢) والبندق والحصاة، لقوله: "فحذفته" (٣). وهذا قول الشافعي وأحمد (٤).

وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن عليه القصاص إن فقأ عينه (٥)، واستدلوا بأن هذا الناظر لو دخل المنزل ونظر فيه أو نال من امرأته ما دون الفرج لم يجز قلع عينه فمجرد النظر أولى.

وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل التغليظ والتخويف والمبالغة في الزجر.

والصواب القول الأول، فإن الحديث نص صريح في الإذن في فقءِ عين الناظر، وما علل به أصحاب القول الثاني مصادم للنص، فلا يلتفت إليه، والقياس على من دخل المنزل قياس مع الفارق، فإن الداخل يُعلم به فيستتر منه، بخلاف الناظر من ثقب الباب ونحوه.

° الوجه الخامس: ظاهر الحديث أنه يجوز رميه قبل نهيه وإنذاره، ويؤيد هذا حديث أنس - رضي الله عنه - أن رجلًا اطلع في بعض حُجَرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام إليه بمشقص أو مشاقص وجعل يختله ليطعنه (٦).

والقول الثاني: أنه لا بد من نهيه وإنذاره قبل رميه، وكأن هذا القائل نظر إلى قاعدة الدفع بالأسهل فالأسهل. والله تعالى أعلم.


(١) رواه أبو داود (٥١٧٤)، وانظر: "فتح الباري" (١١/ ٢٤ - ٢٥).
(٢) انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٢٦٧).
(٣) "الإعلام" (٩/ ٢٠٠).
(٤) "المهذب" (٢/ ٢٢٦)، "المغني" (١١/ ٥٣٩).
(٥) "رد المحتار" (٥/ ٥٥٥)، "الكافي" (٢/ ٤١٠).
(٦) رواه البخاري (٦٩٠١)، ومسلم (٢١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>