للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقالت طائفة بل التحول عن بلد الفتنة أصلًا، لتحصل له العزلة الكلية التامة عن الناس.

والقول الثاني: أنه إذا اتضح الأمر وتبين الظالم من المظلوم والمبطل من المحق وجب الوقوف مع الحق ومع المظلوم ضد من ظلمه، بدليل أن أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - قاتلوا مع علي - رضي الله عنه - ضد أهل الشام؛ لأنهم عرفوا الحق، وأن عليًّا - رضي الله عنه - مظلوم ومبغي عليه، وأن معاوية - رضي الله عنه - ومن معه بغوا عليه بشبهة المطالبة بقتلة عثمان - رضي الله عنه -، فمعاوية وأصحابه بغاة، لكنهم مجتهدون، فلهم أجر الاجتهاد، وفاتهم أجر الصواب، وعلي - رضي الله عنه - له أجر الاجتهاد وأجر الصواب (١)، وقد تقدم شيء من ذلك في باب (قتال البغاة).

وأما إذا خفي الأمر ولم يتضح الحق فإنه لا يقاتل، بل يعتزل ويبتعد عن الفتنة، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في هذا الباب، وتنزل على هذا التفصيل.

ويعجبني في هذا المقام قول الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: (والحقُّ حَمْلُ عَمَلِ كل أحد من الصحابة المذكورين على السداد، فمن لابس القتال اتضح له الدليل؛ لثبوت الأمر بقتال الفئة الباغية، وكانت له قدرة على ذلك، ومن قعد لم يتضح له أيّ الفئتين هي الباغية، وإذا لم يكن له قدرة على القتال) (٢). والله تعالى أعلم.

انتهى الجزء الثامن، ويليه -بعون الله وتوفيقه- الجزء التاسع، وأوله: "كتاب الجهاد"


(١) "فتاوى ابن باز" (٦/ ١١٣).
(٢) "فتح الباري" (١٣/ ٤٢)، وقوله: (وإذا لم يكن له قدرة … إلخ) هكذا في "الفتح".

<<  <  ج: ص:  >  >>