للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"ففيهما فجاهد" أي: جاهد نفسك في طلب رضاهما والإحسان إليهما، وسمي ذلك جهادًا من باب المشاكلة لكون الرجل استأذن في الجهاد، ومنه قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠].

° الوجه الرابع: في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - دليل على وجوب استئذان الوالدين في الجهاد، فإن أذنا له فذاك وإلا فعليه أن يبرهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الجهاد فيهما قائمًا مقام الجهاد في سبيل الله، قال ابن عبد البر: (لا خلاف علمته أن الرجل لا يجوز له الغزو ووالداه كارهان أو أحدهما؛ لأن الخلاف لهما في أداء الفرائض عقوق، وهو من الكبائر، ومن الغزو ما قلت) (١).

وقد حمل الجمهور هذا الاستئذان على جهاد التطوع؛ لأن برهما فرض عين، وجهاد التطوع فرض كفاية، وفرض العين يقدم، وشرط ذلك أن يكونا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا إذن لهما.

فإن كان الجهاد فرض عين كحال النفير أو حضور القتال أو هجوم العدو لم يعتبر إذنهما؛ لأنه صار فرض عين وتركه معصية، ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذا كل ما وجب مثل صلاة الجماعة والحج ونحو ذلك (٢).

يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية: (الجهاد إذا صار فرض عين كان أوكد من مطلق بر الوالدين، فيجاهد في هذه الحال بدون إذنهما، وإن كان عليه أن يقوم بما يجب عليه من برهما المتعيِّن عليه، وإن كان لا يجاهد إذا لم يتعين إلا بإذنهما) (٣). والله تعالى أعلم.


(١) "الاستذكار" (١٤/ ٩٦).
(٢) "المغني" (١٣/ ٢٥ - ٢٦).
(٣) "جامع المسائل" (٥/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>