للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأسير أو أكثر من المشركين، وهذا يدل على عناية الإِسلام بالأسارى وحرصه على تخليصهم.

وقد ذكر الفقهاء أن المسلمين إذا أسروا أحدًا من أهل الحرب فإن الإِمام يخير فيهم بين أربعة أمور تخيير مصلحة واجتهاد في الأصلح لا تخيير شهوة: إما القتل، وإما استرقاقهم، وإما المنُّ عليهم بدون شيء، وإما الفداء بمال أو مسلم بأن يُطلق الأسير الكافر مقابل إطلاق رجل مسلم مأسور عند الكفار، كما في حديث عمران هذا، ولقوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤]، وقال - صلى الله عليه وسلم - في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيًّا، ثم سألني هؤلاء النَّتْنَى لأطلقتهم له" (١). وقد مَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على ثُمامة بن أُثَال (٢)، ومَنَّ على أبي العاص بن الرَّبيع (٣).

وأما القتل: فلأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قتل رجال بني قريظة، كما حكم فيهم سعد بن معاذ - رضي الله عنه - (٤)، وأما الرِّق، فلأنه يجوز إقرارهم بالجزية، فبالرق أولى؛ لأنه أبلغ في صَغَارِهِم، وقد تقدم استرقاق ذراري بني المصطلق.

وما تقدم من كون الإِمام مخيرًا هو الراجح في هذه المسألة، قال ابن قدامة: (لأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى، فإن منهم من له قوة ونكاية في المسلمين وبقاؤه ضرر عليهم، فقتله أصلح، ومنهم الضعيف الذي له مال كثير ففداؤه أصلح، ومنهم حسن الرأي


(١) رواه البخاري (٣١٣٩)، وسيأتي شرحه بعد حديث واحد -إن شاء الله-.
(٢) رواه البخاري (٤٣٧٢)، ومسلم (١٧٦٤) وتقدمت قصته في باب "الغسل" من كتاب "الطهارة". وانظر: "زاد المعاد" (٥/ ٦٥).
(٣) أخرجه أبو داود (٢٦٩٢)، وأحمد (٤٣/ ٣٨١) من طريق محمَّد بن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عائشة -رضي الله عنهما-، وهذا سند حسن من أجل ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث، وأما قول الحاكم (٣/ ٢٣): (هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجه) فوهم منه؛ فإن مسلمًا لم يحتج بمحمد بن إسحاق، وإنما أخرج له في المتابعات.
(٤) رواه البخاري (٣٠٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>