ولا يستقر، لكن إن كان في أسفل الماء أحد يستعمله فلا يبولن فيه؛ لأنه يقذره عليه.
الوجه الخامس: ظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون الماء الدائم قليلاً أو كثيراً، ولا وجه للتفصيل، بأنه إن كان كثيراً فالنهي للكراهة، وإن كان قليلاً فالنهي للتحريم، كما هو أحد الأقوال في المسألة؛ لأن الحديث لم يفصل، صحيح أن النهي في القليل آكد؛ لأنه أسرع تلوثاً وتغيراً، لكن القول بأنه للكراهية في الكثير قد يؤدي إلى تساهل الناس في هذه الأمور، والواجب سَدُّ ما سده النبي صلّى الله عليه وسلّم وحِمَى ما حماه، وهذه أمور مقاصدها ظاهرة ومصالحها بينة، فيؤخذ النهي على ظاهره، وهو التحريم ولو كان الماء كثيراً، فإن جميع الروايات لم تحدد مقداره، وإنما وصفته بأنه دائم، أما الماء الكثير جداً وهو المستبحر الذي لا يمكن أن يتأثر بالبول أو يتلوث بالاغتسال، كماء البحر فهو لا يدخل في النهي بالاتفاق، على ما ذكره ابن دقيق العيد (١)، والله أعلم.
الوجه السادس: الظاهر أن تقييد الغسل بأنه من الجنابة خرج مخرج الغالب، فلا يفهم منه جواز الاغتسال في غير الجنابة، كإزالة الأوساخ - مثلاً ـ؛ لأنه إذا نُهي عن الاغتسال فيه من الجنابة مع حاجة الإنسان إلى ذلك - لكون الغسل من الجنابة هو الغالب - فغيره من الأغسال من باب أولى، ولأن تلوثه بالاغتسال من الأوساخ أشد من تلوثه باغتسال الجنابة.
الوجه السابع: أما حكم الماء المذكور فالصواب أنه لا ينجس إلا إذا تغير بالنجاسة بالبول فيه أو الاغتسال فيه، ولا يلزم من النهي عن ذلك تنجيس الماء؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم إنما نهى عن البول ثم الاغتسال، ولم يقل: إن الماء ينجس، فهو نهي عن الفعل ولم يتعرض للماء، ومثل ذلك لو قام من النوم وغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً فإنه لا ينجس، أخذاً بالأصل المتقدم:«الماء طهور لا ينجسه شيء» وإن كان يأثم من أجل مخالفة النهي.