للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذهبت الحنفية والمالكية إلى أنه يجزئ حجران، ولا يلزم الثالث؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم اكتفى بحجرين لما ألقى الروثة، ولم يطلب من عبد الله أن يأتيه بثالث بدلها (١).

والقول الأول أرجح؛ لأن إزالة النجاسة وإن كانت معقولة المعنى؛ وهو أن الغرض الإنقاء؛ لكن تحديد الشرع هذه الإزالة في حالة الاستجمار بثلاثة أحجار أمر يجب اعتباره، وتركه فيه مخالفة الشارع الحكيم، وهذا أمر ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم قولاً وفعلاً، والقول صريح في ذلك، كحديث سلمان رضي الله عنه وغيره مما تقدم.

وأما توجيه أصحاب القول الثاني فيجاب عنه من ثلاثة أوجه:

الأول: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم طلب الحجر الثالث، كما تقدم في رواية أحمد والدارقطني التي ذكر الحافظ، وكأن غرضه من إيرادها الرد على الطحاوي وإثبات الحجر الثالث، وقد ذكر الحافظ أنه على تقدير عدم سماع أبي إسحاق من علقمة فهو مرسل؛ والمرسل حجة عند المخالفين - يريد الطحاوي ومن هو على مذهب أبي حنيفة - وعندنا - أيضاً - إذا اعتضد (٢).

الوجه الثاني: أنه لا يلزم أن يأمر ابن مسعود رضي الله عنه أمراً جديداً، بل اكتفى صلّى الله عليه وسلّم بالأمر الأول في طلب الثلاثة، وحين ألقى الروثة علم ابن مسعود أنه لم يتمّ امتثاله الأمر حتى يأتي بحجر ثالث.

الوجه الثالث: أنه يحتمل أنه صلّى الله عليه وسلّم أخذ ثالثاً بنفسه من دون طلب، أو استنجى بحجر وطرفي حجر اخر، وبالاحتمال لا يتم الاستدلال للطحاوي، ولا لمن دافع عنه، وهو العيني (٣) عفا الله عن الجميع، وجزاهم خيراً، والله تعالى أعلم.


(١) "شرح معاني الآثار" (١/ ١٢٢)، "المنتقى" (١/ ٦٨)، "التمهيد" (١١/ ١٧).
(٢) "فتح الباري" (١/ ٢٥٧).
(٣) "عمدة القارئ" (٢/ ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>