* الوجه الثالث: في الحديث دليل على أن الفارس المقاتل على فرسه يستحق ثلاثة أسهم: سهمان من أجل فرسه، وسهم من أجله، وهذه صفة قسمة الغنيمة بعد إخراج الخمس.
وأما المقاتل من المشاة فليس له إلا سهم واحد، والحكمة في إعطاء الفرس سهمين الترغيب في اتخاذ الخيل للغزو والعناية بها؛ لما في ذلك من إعظام الشوكة وإعلاء كلمة الله تعالى، قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال: ٦٠] فأمر الله تعالى بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها، ثم خص رباط الخيل وهي التي تربط في سبيل الله؛ لأنها الوسيلة البارزة وقت نزول القرآن، وعطفها على القوة من عطف الخاص على العام لبيان فضلها، والتعبير برباط الخيل يراد به كل ما يرابط في الثغور وحدود البلاد حسب حاجة كل عصر.
* الوجه الرابع: يفهم من الحديث ومن تاريخ الغزوات أنه لا شيء لغير الخيل من البهائم، كفيلٍ، وبغل، وبعير ونحوها، ولو عظم غناؤها وقامت مقام الخيل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسهم لها، وكذا أصحابه -رضي الله عنهم-، ولا خلاف في ذلك، مع أنه لم تخل غزوة منها، وذلك لأن صاحبها لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفارس من الكلفة؛ ولأن غير الخيل لا يلحق بها في التأثير في الحرب، ولا يصلح للكر والفر، لكن ذكر شيخ الإِسلام ابن تيمية أن قياس الأصول أن يُرضخ لها، كما يرضخ لمن لا سهم له من النساء والعبيد والصبيان (١).
ثم إن الاعتبار في الإسهام أو الرضخ بحال الحرب ونشوب المعركة، فلو دخل الحرب فارسًا، ثم حضر الوقعة راجلًا حتى فرغت الحرب لموت فرسه أو شروده أو مرضه فله سهم راجل ولو صار فارسًا بعد الوقعة، اعتبارًا بحال شهودها، ولو دخل دار الحرب راجلًا ثم ملك فرسًا أو استعاره وشهد به الوقعة فله سهم فارس ولو صار بعد الوقعة راجلًا؛ لأن الفرس حيوان يُسهم له، فاعتبر وجوده حالة القتال، فيسهم له مع الوجود، ولا يسهم مع العدم، كالآدمي. والله تعالى أعلم.