للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فلما أسلمت سالت) سميت الجاهلية بذلك لغلبة الجهل على أهلها، وأصل الجاهلية ما قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

قوله: (أن أعتكف ليلة) في تأويل مصدر مفعول نذرت؛ أي: نذرت اعتكاف ليلة، وقد جاء في "الصحيحين" ذكر اليوم، ففي رواية البخاري: (قال: يا رسول الله إنه كان عليَّ اعتكاف يوم في الجاهلية، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفي به) ولا منافاة بينهما؛ لأن الليلة يدخل فيها اليوم، والعكس بالعكس.

قوله: (فاعتكف ليلة) قصد الحافظ بهذه الرواية بيان أن عمر - رضي الله عنه - لم يزد على نذره شيئًا وأن الاعتكاف لا صوم فيه.

* الوجه الثالث: الحديث دليل على صحة نذر العبادة من الكافر حال كفره، قال الخطابي: (فيه دلالة على أن نذر الجاهلية إذا كان على وفق حكم الإسلام كان معمولًا به) (١).

* الوجه الرابع: الحديث دليل على أن النذر ينعقد من الكافر وأنه يجب الوفاء عليه متى أسلم إذا لم يف به حال كفره، وهذا مذهب الإمام أحمد وجماعة من الشافعية، وهو قول البخاري، وابن جرير، ونصره القرطبي، وعزاه لمذهب المالكية تخريجًا مبنيًّا على أن القول الصحيح المشهور من مذهب مالك أن الكفار مخاطبون بالأوامر والنواهي (٢)، والحديث صريح الدلالة على ذلك، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أمر عمر - رضي الله عنه - بالوفاء بنذره، وهذا دليل على صحته وانعقاده.

وقال الجمهور من الحنفية والشافعية والمالكية: إن النذر لا ينعقد من الكافر (٣)؛ لأن نذر الطاعة قربة، والقربة لا تصح من الكافر حتى يسلم؛ لأنه ليس من أهل العبادة والطاعة.

وأجابوا عن الحديث بأجوبة غير ناهضة، كقولهم: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد


(١) "أعلام الحديث" (٢/ ٩٩٠).
(٢) "المفهم" (٤/ ٦٤٤).
(٣) انظر: "المجموع" (٨/ ٤٤٩)، "فتح الباري" (٤/ ٢٨٤)، "الإنصاف" (١١/ ١١٧)، "الشرح الكبير بحاشية الدسوقي" (٢/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>