والحكمة من مشروعية الشهادة: أنها طريق من طرق الأثبات، بها تحفظ الأموال والدماء والأعراض، وبها تنفذ الأحكام، وهي تلي الإقرار في القوة الظاهرة، وإذا كانت بهذه المنزلة فالواجب على القضاة -في هذا الزمان- التحري والتثبت والبحث عن ديانة وأمانة من يؤديها؛ لضعف الإيمان وفساد الذمم.
وتحمل الشهادة وأداؤها فرض كفاية، والمراد بتحمل الشهادة: التزام الإنسان بها، والمراد بأدائها: أن يشهد بها عند القاضي أو غيره، ووجه كون ذلك فرضًا أنه لو لم يكن فرضًا لامتنع الناس من التحمل والأداء، فيؤدي إلى ضياع حقوق الناس، وأما كونه على الكفاية فلأن الحاجة المذكورة تندفع بشهادة من تقوم به الكفاية، قال الله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ}[البقرة: ٢٨٢]، وقال تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢]، والظاهر أن (مِن) للتبعيض، ويكون ذلك مخصصًا لعموم الآيات التي تفيد الإيجاب مطلقًا، ثم إن المعنى يؤيد ذلك، كما تقدم (١).