للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمراد بخير الشهداء: أكملهم في رتبة الشهادة، وأكثرهم ثوابًا عند الله تعالى.

قوله: (الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها) بضم الياء على صيغة الفعل الذي لم يسم فاعله؛ أي: قبل أن تطلب منه الشهادة.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على فضل من يأتي بالشهادة قبل أن تطلب منه، وهذا محمول عند أهل العلم على ما إذا كان صاحب الحق لا يعلم بهذه الشهادة، أو أنه نسيها فإنه يشرع للشاهد أن يشهد ولو لم يطلب منه صاحبُ الحقِّ الشهادةَ، حفظًا لحق أخيه المسلم أن يضيع، فهو لا يفعل ذلك تساهلًا في الشهادة أو استخفافًا بها أو طمعًا في مال أو نحوه، ولكن ليؤدي الواجب ويحفظ حق أخيه.

وهذا تفسير الإمام مالك، ويحيى بن سعيد شيخ مالك وغيرهما، قال ابن عبد البر: (هذا أولى ما قيل في تفسير الحديث، ولا يسع الذي عنده شهادة لغيره أن يكتمها ولا أن يسكت عنها، إلا أن يعلم أن حق الطالب يثبت أو قد يثبت بغيره، فإن كان كذلك فهو في سعة، وأداؤها مع ذلك أفضل، وسواء شهد أحد قبله أو معه أو لم يشهد، إذا كان الحق مالًا؛ لأن اليمين فيه مع الشاهد الواحد) (١).

وهذا التوجيه للحديث مبني على أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد حتى تطلب منه الشهادة، وعلل الفقهاء لذلك بنفي التهمة؛ لأن الذي يبادر بالشهادة قبل أن تطلب منه قد يتهم بمنفعة المشهود له أو مضرة المشهود عليه، وأما على القول بجواز الشهادة وإن لم يستشهد فالأمر واضح، ولهذا الكلام تتمة عند الحديث الآتي. والله تعالى أعلم.


(١) "التمهيد" (١٧/ ٢٩٥ - ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>