للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأصل المادة من الازورار وهو الميل، ومنه قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} [الكهف: ١٧]، فالزور قول يستعمل في كل ميل عن الحق، ومن ذلك الكذب والباطل، وشهادة الزور، وعلى هذا فقول الزور أعم من شهادة الزور، لكن في هذا الحديث يحمل قول الزور على شهادة الزور؛ لأن قول الزور لو حمل على غير شهادة الزور لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة، ولا ريب أن مراتب الكذب متفاوتة حسب ما يترتب عليه من أضرار ومفاسد، كما سيأتي بيان ذلك في كتاب "الجامع" إن شاء الله تعالى.

• الوجه الثالث: الحديث دليل على تحريم شهادة الزور وأنها من كبائر الذنوب بل هي من أكبر الكبائر، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك، وقد جاءت النصوص بتحريم شهادة الزور والنهي عنها والتغليظ على متعاطيها، قال تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠]، وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: ٧٢] أي: لا يحضرون الزور، وقيل: لا يشهدون، من الشهادة، ورجح الأول ابن كثير، وابن تيمية، وقال ابن سعدي: (لا يحضرون، ومن باب أولى لا يشهدون) (١).

ثم إن الأصل في الشهادة أن تكون سندًا لجانب الحق ومعينة للقضاة على إقامة العدل وإعطاء صاحب الحق حقه، فإذا تخلَّت عن وظيفتها، فكانت سندًا للباطل ومضللة للقضاة، فإنها تحمل حينئذٍ جريمتين كبيرتين:

الأولى: عدم تأديتها وظيفتها الأساسية وهي مساندتها الحق، فتكون من هذه الناحية أسوأ حالًا من كتمان الشهادة.

الثانية: قيامها بجريمة إيجابية تُهضم فيها الحقوق ويُظلم البُرآء.


(١) "تفسير ابن كثير" (٦/ ١٤٠)، "تفسير ابن سعدي" ص (٥٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>